يستعد الرئيس دونالد ترامب للتوقيع على تشريع لإلغاء قواعد اللجنة الاتحادية للاتصالات التي كانت تحظر على مقدمي خدمات الإنترنت بيع بيانات زبائنها للمعلنين. ويمكن فهم اعتراض جماعات الدفاع عن الخصوصية، لكن ألم يفت الآوان؟ صحيح أن الأمر مزعج قليلا أن تبدأ شركتا الاتصالات «فيرايزون» و«أيه. تي. آند تي» في التصرف مثل شركتي جوجل وفيسبوك اللتين أصبحتا تدركان ما نرفض نحن أنفسنا رؤيته، وهو أننا لم نعد بشراً أحراراً بالكامل! فربما لا نرتدي أو نزرع في أجسادنا أجهزة متصلة بالإنترنت بعد، لكننا ننفق جانباً كبيراً من حياتنا على الإنترنت ولذا أصبحنا مندمجين بشكل يتزايد في العالم الرقمي. وهواتفنا الذكية وأجهزتنا الكمبيوترية اللوحية والعادية لم تعد خدامنا. فسواء كنا في العمل أو المنزل أو في الشارع أو في السيارة أو في المعاهد التعليمية أو في عطلة.. أصبحت هذه الأجهزة التي كانت أدواتنا ذات يوم، نوعاً من الكائنات التي تعيش معنا في تكافل حيوي. لم يعد من الممكن أن نتخيل أنفسنا من دون القدرة على الاتصال بالإنترنت. إننا نسير في هذا العالم ونحن ننزف معلوماتنا في كل خطوة نقطعها، سواء كنا نتصفح الإنترنت أو نشتري من متجر. والكائنات الكمبيوترية التي تعيش معنا في تكافل حيوي تدعمنا وتسرق منا أيضاً. وفي رحلتنا على الإنترنت لا ننظر إلى الخلف معتمدين على افتراض أن لا أحد يريد فحص ما تساقط منا من معلومات على الطريق. أما بالنسبة لشركات الإنترنت العملاقة، مثل فيسبوك وأمازون والفابت التي تملك جوجل.. فإن البيانات تمثل كنزاً. فالنماذج الاقتصادية لهذه الشركات تعتمد على إيجاد وسائل أكثر تعقيداً للتنقيب عما تركناه خلفنا من معلومات ليستخدمها المعلنون لاستهدافنا بطريقة فاعلة. والحسد يتملك شركات تقديم خدمات الإنترنت العملاقة وهي تراقب قدرة شركات التكنولوجيا على تحويل تعقب مساراتنا الرقمية إلى مال. وتنظر شركات تقديم خدمات الإنترنت بجشع إلى خزائنها المملوءة بالبيانات التي ربما تكون أكثر دقة مما تجمعه فيسبوك وجوجل، وتتساءل: لماذا تستطيع هذه الشركات العمل عبر شبكاتها من الألياف البصرية على استغلال هذه المعلومات بينما لا تستطيع هي فعل هذا؟ والواقع أن الخصوصية انتهت بالفعل حتى قبل إزالة قواعد اللجنة الاتحادية للاتصالات. وحالياً تستطيع شركة «وول مارت» أو شركة «نوردستورم» للبيع بالتجزئة، استخدام هاتفك المحمول المتصل بخدمة «واي-فاي» التي يقدمها المتجر لتتعقب تحركاتك داخل المتجر وتجمع بيانات عملياتك الشرائية، لتعد لك عروضاً ترسلها مباشرة إلى هاتفك. وانتقد جوزيف تورو بشدة هذه الممارسة في كتابه الرائع والمثير للقلق، «الممرات لها عيون»، وأوضح أن ما دفع هذه المتاجر إلى هذه الممارسة هو الحاجة إلى منافسة أمازون حتى لا يتجاوزها الزمن. ويُعتقد أن مركزاً لبيانات وكالة الأمن القومي افتتح قبل ثلاثة أعوام في ولاية يوتاه الأميركية، قادر على تخزين كميات لا حصر لها من البيانات. ورغم أن المنظمة لم يعد مسموحاً لها بتخزين معظم بيانات مكالماتنا الهاتفية، يعتقد المدافعون عن الخصوصية أن معلومات مهمة عن استخدامنا للإنترنت قد تكون محفوظة هناك. ولا ننسى المقرصنين الذين يقومون بأكثر من مجرد السطو على قواعد البيانات لمتجر بيع بالتجزئة. وبعد أن أصبح من الممكن التعرف على كل منفذ حاسوب أو ما يعرف بالنسخة الرابعة من بروتوكولات الإنترنت (أي. بي. في.4) في دقائق فحسب، فإن أي جهاز متصل بالإنترنت من الممكن مهاجمته. وإذا كان الجهاز ضعيف الحماية ستتم (وليس يحتمل أن تتم) القرصنة عليه. فقد صممت مجلة «اتلانتيك» جهازاً افتراضياً لا سلكياً لتعرف كم مرة تتعرض فيها للقرصنة. وبدأ الجهاز العمل الساعة 1:12 مساءً وبحلول منتصف الليل كان قد تعرض لأكثر من 300 محاولة قرصنة. وبعد كل هذا يقلقنا للغاية أن يُسمح لـ«فيرايزون» و«أيه. تي. آند تي» بأن تتصرف مثل جوجل وفيسبوك؟! لقد فقدنا منذ فترة طويلة معركة القدرة على حماية بياناتنا التي تتساقط منا عبر الإبحار في الإنترنت. ولم تكن قواعد اللجنة الاتحادية للاتصالات إلا درعاً ضعيفاً. وقد حان الوقت كي نقوي حصوننا فيمكننا إزالة ملفات تعريف الارتباط (cookies)، ويمكننا التصفح باستخدام بروتوكولات (HTTPS) وليس بروتوكولات (HTTP). لكن الخبراء يتفقون على أن مثل هذه الإجراءات ليست منيعة تماماً وغير مفيدة على الأرجح. وسنظل نترك المعلومات على الإنترنت وسيكون هناك دوماً من يجمع ما تساقط منها. لقد اتخذنا قراراً كبيراً حين اخترنا العيش في تكافل حيوي مع الإنترنت. والتعايش الحيوي كما تعلمنا من دراسة علم الأحياء يفيد طرفي العلاقة. ستيفن كارتر أستاذ القانون بجامعة يال الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»