طلاب جامعات النخبة والعديد من الجامعات الأميركية المرموقة والتاريخية يتظاهرون بل وينصبون الخيام وسط ساحات الحرم الجامعي بالعديد من مؤسسات التعليم العالي، مطالبين بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الأعزل والمدنيين في غزة، ويطلبون من جامعاتهم وقف التعاون مع الجامعات والحكومة الإسرائيلية والتمويل، والمشاركة معهم في الأبحاث المشتركة وتطوير الاختراعات والاكتشافات المتقدمة.
والشرارة انطلقت من جامعة كولومبيا وهي إحدى 8 جامعات يطلق عليها جامعات النخبة في أميركا، ومعروفة بتخريج أعداد كبيرة من الطلبة اليهود عبر التاريخ وتعرف بأنها جامعة يهودية في نيويورك.
وبالرغم من ذلك الإرث التاريخي فقد تحولت بين ليلة وضحاها إلى الشمعة التي تضيء الطريق لإيقاظ ضمير أمة غارق في سبات عميق، وحالها في ذلك حال كل الشعوب التي تتغنى بالديمقراطية كنظام احتساب أعداد للأصوات وليس كنظام عدالة ومساواة اجتماعية.
ولذلك لا غرابة أن لا يكون هناك تعريف قانوني لكلمة إنسان، وأن تتجنب القوانين الدولية تعريف كلمة إنسان وتسمع كلمات مثل شخص أو فرد أو كائن بشري...إلخ، ولذلك ستظل حقوق الإنسان تُنتهك برعاية الدول الديمقراطية وترتبط مباشرة بالعلاقات الدولية والمصالح القومية وليس بالروح البشرية، وبالتالي هي كلمة مطّاطة مثل الإرهاب تعرّف حسب الحاجة والموقف.
الديمقراطية نظام إداري ومالي مسيّس ومعسكر وليس نظرية اجتماعية متكاملة، وما حدث من احتجاجات في الجامعات الأميركية لم يثبت سوا تلك الحقيقة غير الصادمة للعارفين بالشأن الأميركي، ولذلك واجه الطلبة في مختلف الجامعات في الولايات الأميركية لوبياً كبيراً يحرك الإعلام والرأي والمزاج العام ويتلاعب به كيفما يشاء، ولم يتفاجأ الطلبة في جامعة كولمبيا وغيرها من الجامعات من حملات الاعتقالات الجماعية بتهمة التعدي الإجرامي على ممتلكات الجامعة، وترهيب الطلبة اليهود وقائمة طويلة من التهم لكل من شارك في الاحتجاجات الطلابية بشأن اجتياح المدن والقرى الفلسطينية، وما جعل باقي الجامعات الأميركية تتضامن مع احتجاجات جامعة كولومبيا هو اعتقال أكثر من 100 متظاهر في جامعة كولومبيا، وما تبعها من اعتقالات في مختلف الجامعات الأميركية واعتقال حرية الرأي ضمن المعتقلين.
ومن جهة أخرى، اتهم بعض «الجمهوريين» في الكونجرس رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق، وشهرتها «مينوش» بالتأخر في طلب القوات الأمنية المختصة لاعتقال الطلبة، وكذلك مديري الجامعات الآخرين الذين اتهموا جميعاً بالتساهل أكثر من اللازم مع المتظاهرين والسماح بمضايقة الطلاب اليهود في الحرم الجامعي.
ودافع البيت الأبيض عن حرية التعبير في الحرم الجامعي لكن الرئيس «الديمقراطي» جو بايدن ندّد بالاحتجاجات المعادية للسامية، وشدد على أن الجامعات يجب أن تكون آمنة ولا سيما بعد ما طالب الطلاب الجامعات بفصل نفسها عن أية شراكات وشركات تعمل على تطوير الجهود العسكرية الإسرائيلية في غزة، في صدام بين الأجيال سيؤتي أُكله في الحياة الأميركية على المدى المتوسط وسيساهم في رسم خريطة طريق جديدة للسياسة الأميركية في العالم، لكون الانقسام الداخلي في أميركا سيُغذى من الجامعات الأميركية في زمن منصات وقنوات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، حيث يتواصل الطلاب في مختلف الجامعات ضمن شبكات مفتوحة وأخرى تعمل في الجانب المظلم للإنترنت، وجميعها اجتمعت على المطالبة بتوقف جامعاتهم عن التعاون مع إسرائيل أو قطع علاقاتهم معها وببيع استثماراتها في شركات يقولون إنها متواطئة في الحرب على غزة وسحب الاستثمارات في إسرائيل.
في الآونة الأخيرة شهد دعاة سحب الاستثمارات في الوقود الأحفوري انتصارات كبيرة في الجامعات الأميركية، حيث التزمت حوالي 250 مؤسسة تعليمية أميركية بسحب الاستثمارات في الشركات الملوثة للبيئة، وهو ما يبين أهمية هذا الحراك الجامعي، بالرغم من عدم نجاح الدعوات لسحب الاستثمارات من إسرائيل بصورة كبيرة، إلّا أنها كرة ثلج بدأت بالتدحرج ويكبر حجمها مع العمليات الإسرائيلية، والطلبة بدورهم يشيرون إلى أن من يتحكم بالسياسة الأميركية وأهم اللولبيات الأميركية ويسيطر على إعلام العالم، ويصنع القصة ويمتلك خيوط السرد الظاهرة والخفية معروف تماماً للجميع، ويبقى السؤال: إلى متى؟!

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات