ظهرت  مؤخراً جماعة مِن قبيلة بني أسدٍ، تُطالب بإدارة العتبتين، الحُسينية والعباسيّة بكربلاء. تلا أحدهم رسالةً موجهةً إلى المرجعية، المشرفة عليهما، وهما كيان اقتصادي، وإداري مستقل عن الدَّولة، إذا لم يكن أكبر منها، إدارة ضريح الإمام الحُسين وأخيه العباس. ادعت الجماعة بوجود عقد شراء(العام 60-61هجرية) بين الحُسين وأجدادهم، سكان كربلاء، شُرعت لهم وفقه، القوامة على قبره، وبموجبه مِن حقّهم التّصرف بالأموال، التي تدر عليه نذوراً وهدايا. في ما سبق، الدّولة تشرف على تلك الأموال(قبل 2003)، وتُصرف على تعمير العتبات نفسها، وما يخص كربلاء. كانت ثياب العاملين، في عدّ الأموال، خالية مِن الجيوب، درءاً للسرقة، كواحدة مِن أساليب مكافحة الفساد، ليتها تشاع، وليكن بدل الجيوب الحسابات البنكية مثلاً.

يذكر بنو أسد أنّ لهم شرفَ دفن الحُسين، وفي كل عام بعد ثلاثة أيام مِن (10 محرم/عاشوراء)، تمثل مراسم الدّفن، ويحضر مَن يمثل بني أسد موشحاً بحمائل سيفه، ليشرف على الدّفن، بوجود الإمام علي بن الحُسين(ت: 94هجرية)، الذي ظل حياً مِن بين أعمامه وأخوته، وقصة المقتل تقول حال انتهاء المعركة حصل السّبي، وتم الترحيل إلى الكوفة، ومنها إلى الشّام، مع رؤوس القتلى، وفي زحمة هذه الروايات لا يُسأل: وكيف حضر زين العابدين، وتولى الدّفن بعد ثلاثة أيام؟!

مثلما لا أحداً يسأل كيف فكر الحُسين في اللَّحظة الحرجة شراء أرض، وتوقيع عقدٍ، وكيف يسمح له، ويسمح لسكان كربلاء بيع الأرض لعدو السُّلطة آنذاك، وهو، حسب قصة المقتل المقرؤة سنوياً، طلب العودة، مِن حيث أتى، والقوم حالوا دونه؟ صار المثيرون لهذه الأسئلة يرمون بالجهل، ففي الأجواء القاتمة القائمة، ينقلب الوهم حقيقةً، والحقيقة وهماً، «إذا قُلتُ المُحالَ رَفَعتُ صَوتي/وَإِن قُلتُ اليَقينَ أَطَلتُ هَمسي»(المعريّ، لزوم ما لا يلزم).

فعلى المشككين بالرّوايات، وسط كثافة الوهم، إطالة الهمس، فالسؤال يعني عدم اليقين، وعدم اليقين كارثة على صاحبه. فهل لك اليوم الاعتراض على ما ورد في كتاب «قصص العلماء»، وهو يروي لقاءات عشرات رجال الدِّين بالمهدي المنتظر، بعد غيابه بألف عام، وهل لك الاعتراض، في المجلس الذي يتحدث به قارئ المنبر عن عجائب المعجزات، مثل الأئمة خلقوا قبل آدم، أو هذا المستشفى وهذه المدينة يُديرهما صاحب الزّمان، ورئيس مؤسسة علمية كبرى، مِمَن اعتقدناهم محصنين، خرج متحدثاً عن كرامات أسرته! ما تقدم به الأسديون، لم يكن غريباً ولا عجيباً، فإذا مسوا الكنز المقدس، الذي يسمن كلما سمن الوهم، لم يبدعوا وهماً، وربّما كان عقد الحُسين معهم أرحم الأوهام، وأقل الرُّوايات عجائبيّة. غير أنَّ ما يمكن تسجيله لبني أسد، أنهم الأقل طائفيّة، والأقل طائفيّة هم الأكثر عراقيّة، والمقال لا يسع للتبسط بتاريخ عدم اكتراث زعمائهم بالطّائفيّة.

أُتهم أسديون بفاجعة شاعرين عظيمين، قتل علياء الأسدي الملك حجر والد امرئ القيس(جواد علي، المفصل)، وأنَّ فاتكاً الأسديّ قتل المتنبي(354هجرية)، بعد قدومه مِن فارس إلى بغداد(ابن الجوزيّ، المنتظم). مع أنَّ أبا الطّيب أثنى على بني أسد: «سِنانٌ في قناةِ بني مَعدٍ/ بني أسدٍ إذا دَعوا النّزالا»(العرف الطّيب). فإذا كان لهم ثأر فمع أبي نواس(ت: 195هجرية): لقوله: «قالوا ذَكَرتَ دِيارَ الحَيِّ مِن أَسَدٍ/ لا دَرَّ دَرُّكَ قُل لي مَن بَنو أَسَدِ»(ابن يدمر، الدُّر الفريد). إذا صح ارتكاب أسديين فاجعتي الضَّليل والمتنبي، فمَن لم يبتل باغتيال وقتل؟ وإن توهموا العقد مع الحُسين، فمَن لم يتاجر بالوهم؟! والإجابة مِن ابن بُرد(قتل:166هجرية) «إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى/ ظمئتَ وأي النَّاسِ تصفو مشاربه»(الحمويّ، معجم الأُدباء). في كل الأحوال، الأسديون ليسوا أول الواهمين!

*كاتب عراقي