قام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الأسبوع الماضي بزيارة نادرة لرئيس الوزراء المجري شبه المنبوذ «فيكتور أوربان». فكاميرون لا يمتلك ترف الاختيار: ذلك أنه بحاجة لكل الأصدقاء الذين يمكن الحصول عليهم من أجل تأمين اتفاق حول الإصلاح «الجوهري» للاتحاد الأوروبي الذي وعد به البريطانيين حتى يصوّتوا لصالح البقاء ضمن الاتحاد في استفتاء مقبل. بيد أن التوصل لصفقة الشهر المقبل، مثلما بات مخططاً له الآن، يتوقف على مطلب كامرون المتمثل في تأخير بأربع سنوات لإمكانية استفادة القادمين الجدد من الاتحاد الأوروبي من مزايا نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا. كامرون اعترف بأنه سيتعين عليه التوافق وتقديم بعض التنازلات: فالتمييز الصريح ضد مواطني الاتحاد الأوروبي لن تقبله بولندا والمجر، مهما بدا أوربان متعاوناً، وبالتالي فسيتعين على كامرون إصلاح بريطانيا في الوقت الذي يطالب فيه بإصلاح الاتحاد الأوروبي. وهذه فكرة جديرة بالتفصيل أكثر. فثمة الكثير من الأسباب التي تفسر انزعاج الدول المستضيفة من الهجرة، وأحد هذه الأسباب في بريطانيا، هو شعور بالإجحاف والظلم. إذ يبدو من غير العدل أن يكون بمقدور الأجانب القدوم إلى بريطانيا للاستفادة من المزايا الاجتماعية دون أن يكونوا مضطرين لدفع ضرائب هناك أولا، ومن غير العدل أن يواجه العمال البريطانيون من ذوي المهارات المتدنية منافسة من مهاجرين مستعدين للعمل بشكل غير قانوني في السوق السوداء، ومن غير العدل أن تعرف المدارس والمستشفيات ضغطاً واكتظاظاً كبيرين، ما يؤدي إلى ضغط على خدماتها. إني أتفق مع رأي مارتن ولفين من صحيفة «فاينانشل تايمز» والقائل بأن إعادة التفاوض هذه كلها تمثيلية. لكن لماذا لا نستغلها كفرصة لمعالجة وإصلاح بعض المشاكل التي تعانيها بريطانيا اليوم، والتي لا تقتصر فقط على الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي؟ الواقع أن هيكلة نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا مصممة على نحو يصب في مصلحة المهاجرين. فهي الدولة الوحيدة في غرب أوروبا التي يذهب إليها 98? من المهاجرين من داخل الاتحاد الأوروبي، والتي لا تفرض الدفع والمساهمة في صناديق تأمين الضمان الاجتماعي، أو مجرد العمل لمدة معينة من الوقت قبل أن يصبح باستطاعتهم الاستفادة من مزايا البطالة أو المزايا المتعلقة بالسكن. وإلى ذلك، فإنها تقدم المزايا المتعلقة بتربية الأبناء نقداً، كما تقدم ائتماناً ضريبياً لرفع مداخيل العمال ذوي الأجور المتدنية، علماً بأن لا شيء من هذه الأمور مرهون بشرط العمل مسبقاً. لا شك أن حل هذه المشاكل لا يكمن فقط في إصلاح الاتحاد الأوروبي، بل يقتضي القيام بما هو ضروري لإصلاح نظام التخطيط البريطاني ونقل مسؤولية الإشراف على المدارس والمستشفيات إلى السلطات المحلية العارفة بأنماط نمو السكان حتى تستطيع التخطيط لتقديم الخدمات وتوسيعها وتطويرها، وهو ما يفشل فيه النظام الحالي الممركز فشلا ذريعاً. إنها أمور صعبة للغاية، وحتى إذا تسنى القيام بها، فلن تؤدي إلى وعي سياسي بضرورة إرغام الاتحاد الأوروبي على إصلاح نفسه، مثلما يريد كامرون، حتى يساعده ذلك على الفوز بالاستفتاء من أجل الإبقاء على بريطانيا في أوروبا. بيد أن المثير للسخرية في إصلاح بريطانيا من أجل مصلحتها الذاتية هو أن من شأن بعض التدابير والإجراءات أن تجعلها أشبه بجيرانها في أوروبا القارية. مارك تشامبيون محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»