يعتقد منتقدو ميخائيل ساكاشفيلي أنه من ذلك النمط من الرجال الذي يمكن التهوين من شأنهم بسهولة. فتهور الرئيس الجورجي السابق المشهور، وعادته في المبالغة، جعلته دائماً شخصاً مثيراً للجدل. وعندما سمح لنفسه بأن يقع فريسة إغراء إطلاق الرصاصة الأولى في حرب ضد روسيا عام 2008، بدا من غير المحتمل أنه سيتمكن من استعادة سمعته الضائعة مرة أخرى. ولكن ساكاشفيلي نجح، مع ذلك، في الانبعاث مجدداً. فمنذ ثلاثة أشهر يدير الرئيس الجورجي السابق منطقة أوديسا في أوكرانيا، بطريقة يثبت من خلالها أنه قادر على العودة سياسياً. وبطريقة ما، يمكن القول إن الرئيس الجورجي السابق لم يكن في أي وقت مناسباً لوظيفة مثل ملاءمته للوظيفة التي يشغلها حالياً، والتي يقوم من خلالها بإدخال تعديلات جذرية في منطقة تسيطر عليها جماعات منفلتة، وتتبع بلداً غير بلده. ويرى منتقدون آخرون، في المقابل، أن هذا شيء مناسب أيضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأنه لو أراد أن يخفف من وتيرة حربه في شرق أوكرانيا، ويتوجه نحو سوريا، فإن الهدف من ذلك سيكون -إلى حد كبير- هو تحويل الأنظار بعيداً عن أوكرانيا، وترك الأمور تتفاقم هناك، فهو ليس بحاجة لتكبد تكاليف عمل عسكري إضافي لخلخلة استقرار ذلك البلد. ووفقاً لتقديرات ساكاشفيلي نفسه، فإن حكومة أوكرانيا الموالية للغرب ليس أمامها سوى فترة قصيرة لا تزيد عن ستة أشهر، للبدء في إجراء الإصلاح الاقتصادي الذي وعدت به، وإذا لم تفعل ذلك فإنها ستنهار حتماً. والخبر الجيد في هذا السياق هو أن الأوكرانيين الذين سئموا من الفساد، والمصاعب الحياتية، وعدم الكفاءة الحكومية، يرغبون في نمط التغيير الجذري ذاته الذي أحدثه ساكاشفيلي في جورجيا بعد ثورتها «الوردية» عام 2003. فعقب تلك الثورة، وجه ساكاشفيلي، إنذاراً نهائياً لرجال الأعمال الفاسدين الذين امتصوا دم البلد بعد الاستقلال، وقال لهم: «ادفعوا مبالغ كبيرة من النقود في صورة ضرائب متأخرة إجبارية، وابتعدوا عن الطريق، أو سيكون مصيركم السجن». وقد أثبت الإنذار جدواه حيث رضخ رجال الأعمال، ودفعوا ما طلبه منهم ساكاشفيلي، وامتلأت الخزائن بالأموال، مما مكنه من إجراء المزيد من الإصلاحات. وقام ساكاشفيلي في ذلك الوقت أيضاً بتعديل الدستور كي يمنح نفسه المزيد من الصلاحيات على حساب البرلمان، وزج بالمعارضين في السجن، وباع كل ما تمكن من بيعه من أصول الدولة. والسؤال الكبير الآن، هو عما إذا كان ساكاشفيلي قادراً على تكرار إصلاحاته الجورجية دون أن تكون لديه تلك الصلاحيات المطلقة، التي كان يتوافر عليها في جورجيا.. وإذا ماكان يجد نفسه متعثراً في مواجهة العقبات ذاتها التي تتعثر فيها الحكومة القائمة في كييف حالياً؟ يقول ساكاشفيلي إن الشيء الذي لا يقل أهمية عن صلاحيات إنفاذ القانون التي منحها له الرئيس الأوكراني «بترو بوروشينكو»، هو أن يكون لديه الدعم الشعبي اللازم لإجراء الإصلاحات التي يريدها. ويوضح ذلك بقوله: «في جورجيا كنا نحن الذين نجر المجتمع وراءنا لإجراء الإصلاحات.. أما هنا فإن المجتمع هو الذي يطالب بالإصلاح، بل هو الذي يقوده أيضاً». وهذا هو نمط الخطاب الذي يدأب ساكاشفيلي على ترداده، والذي يمكن تلخيصه بأنه وإن كان لا يتمتع بصلاحيات مطلقة، إلا أنه قادر على حشد الدعم الشعبي واستخدامه كأداة ثقيلة للهدم -مثل تلك التي تستخدم في هدم المباني- من أجل تغيير، أو هزيمة أصحاب المصالح الذاتية المتمترسة. وهذه الاستراتيجية يمكن أن تنجح إذا ما كان ساكاشفيلي ورسالته يحظيان بالشعبية المطلوبة، وعلى ما يبدو أن الأمر كذلك بالفعل. وبشكل عام ينال أداء سكاشفيلي رضا الأوكرانيين دون الثلاثين من العمر، أما الأجيال الأكبر عمراً منهم فيبدون أكثر حذراً وتشككاً في أي وعد جديد بالإصلاح. وحتى الآن، يمكن القول إن كل ما فعله ساكاشفيلي، هو أنه قد وضع الأسس للتغييرات الكبيرة التي يريد إجراءها في النظام الديمقراطي الأوكراني الفوضوي. وإذا ما كانت أمام أوكرانيا ستة أشهر لإجراء الإصلاحات، فإن ساكاشفيلي يعطي نفسه من ثلاثة إلى أربعة أشهر فقط، لإجرائها في أوديسا. وهذا هو السبب الذي يدعو للقول، إنه في مصلحة بوتين أن ينصرف اهتمام الغرب بعيداً عن أوكرانيا في الوقت الراهن، وخصوصاً أن الوقت يعمل لصالحه. والموقف الذي يبدو منطقياً للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالياً هو أن يقفا وراء المحاولة الأخيرة في أوديسا، وبعد ذلك في غيرها من المناطق في أوكرانيا. وإذا كان ذلك يعني أن يتغلب الاتحاد الأوروبي على حذره الطبيعي من ساكاشفيلي، وعلاقته المسمومة مع بوتين، فإن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لذلك. مارك تشامبيون محرر الشؤون الدولية في «بلومبيرج فيو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»