إنها الحياة.. "دوام الحال من المحال"، حكمة إلهية كما أرادها الخالق عز َّوجل. اليوم نحن نعيش زمناً يطول فيه عمر الإنسان، ما دام محفوظا بالعناية الإلهية من الحوادث، والعوارض والصدمات الصحية.
ولأننا في الخليج دولٌ حديثة، فإنك ترانا أحرص البلاد العربية على إجراء الإحصاءات المنتظمة قياسا لنمونا البشري والحضاري، وهذا ما أعطانا المؤشر الذي تكاد تجمع عليه دول مجلس التعاون وهو الأغلبية الشبابية في شعوبها الواقعة ما بين الخامسة عشرة والخامسة والثلاثين حيث تمثل 75% في الكويت مثلاً. ولا تختلف هذه النسبة كثيرا في الدول المجاورة. مما يفرض على أولي الأمر في بلادنا وهم جماعة، والحمد لله، مؤمنة بالشورى كما هي، صورة ومعنى أو بالديمقراطية كوجه حديث لها، فإنهم على وعي تام بأهمية ثالوث العدالة والمساواة والحرية، من جانب والتوجه إلى حيث الأغلبية من جانب آخر وخاصة عندما تكون هذه الأغلبية هي نواة اليوم لمستقبل الغد، تفصل ما بين أقلية من الطفولة تمثل الشروق وأقلية أخرى من كبار السن تمثل الأفول.
بالإضافة إلى أننا في دول الخليج والكويت أولها نعيش وسط طبيعة محدودة المعالم ووسط مجتمعات صغيرة ذات عائلات ممتدة يطلق عليها القبائل حينا أو الأفخاذ الممتدة من القبائل العابرة للحدود الحديثة، بالإضافة إلى بعض من يُسرٍ مادي، يجعل من بلادنا بقعة جذب لآخرين كثيرا ما تكون ثقافتهم طاغية على ثقافة أهل "الديرة". هنا تكبر المسؤولية وتتعاظم تجاه الشباب بغرس العلم الذي يحتاجون إليه بكل أعماقه واختلاف مشاربه، وكذلك الترفيه لأنه المنشط للطاقة الاستيعابية، يتساوى في ذلك أمران في الأهمية، الرياضة لتربية الجسم، والفن لتربية النفس، وتهذيب الذوق، وتفجير ينابيع النبوغ في التعبير صوتا أو صورة، شفاهة أو تحريرا. من هذه الزاوية، رأينا الجمال بتأهل شاب كويتي مغمور للوصول إلى أعلى درجة في سلم أكاديمية النجوم في لبنان، والأجمل منه كان حصوله على أصوات الإخوة العرب من المحيط إلى الخليج.
ما كان السباق سياسيا حتى نشكك بخضوعه لبعض من مساومات، وما كان اقتصاديا حتى نشكك باحتمالات دفع ثمنه مقدماً أو مؤخراً، ولكنه كان سباقاً ثقافياً، بل ضمن أجمل صور الثقافة وأصعبها والمشكَّلة من موهبة إلهية وجهد بشري.. إنها الموسيقى والغناء..
ببساطة شديدة، جاء بشار وصحية لإحياء حفل في الكويت كجزء من برنامج عربي بدأ في تونس ولا أدري أين سينتهي، وهكذا بابتسامة عريضة استقبلت الكويت ابنها وشاعت في الجو الشبابي بالذات موجات ابتهاج، ومسرة، وفرحة، أجبرت "الوطن" بالتخلي عن موقعه المثقل بالحزن والجمود، والذي أثقل من خطاه كثيرا باتجاه التقدم والنمو بالسرعة المتوقعة منه.. لكن ستاراً من الأسلاك الشائكة فد ارتفع في وجه البهجة وباسم الإسلام وأربك البلاد شعبا، وحكومة حتى تمخض اللغو عن لجنة من الأوقاف والإعلام جاءت بمحاذير أربعة عشر، تجعل من حكم الإعدام أو السجن المؤبد، أكثر راحة وأنساً وبهجة وحرية من حضور حفل فني في بلدي الحزين، حيث يتوقع المقترح المبجل، أن تكتفي النساء بسماع النساء والرجال بسماع الرجال، وما بين هذا وهذا اثنتا عشرة مأساة أخشى على سمعة بلادي من تعدادها.