اعتدت -قسراً- على أمر غريب، هو أنني ما أن أستلم دعوة لحضور مؤتمر بالمشاركة أو المجاملة، حتى يأخذني شريط تجربتي إلى ما يقرب من نصف قرن مضى. كنت حينها أقطن مدينة نيويورك بصحبة الزوج، تلميذ الدراسات العليا في جامعة كولومبيا حينذاك... وهكذا شاء حظي أن أكون إحدى تلك الأدوات المبشرة بتلك الإشراقة، عندما طلب مني أن أذهب إلى سان فرانسيسكو لحضور مؤتمر نسائي عالمي، تحت شعار (السلام والحرية) وكنت أصغر الأعضاء سناً مما جعلني أحظى برعاية عجيبة في زمن ظن بعض من قابلني بأن الكويت ولاية جديدة قرب مكسيكو، ولا أنسى ذلك التصفيق والتشجيع، الذي حظيت به عندما قلت جملتي (بلادي ليست مجرد برميل نفط) وأظن أن دفعي لنفسي في عجلة الإعلام قد بدأ من هناك.
المهم أنه منذ ذاك التاريخ وأنا أُدعى وأحضر مؤتمرات عدة أنتقي منها فقط ما يجذبني، وأيضاً مشاركة أو مجرد مجاملة، ولكن أن أُدعى إلى "المؤتمر التنموي للرياضة النسائية" فقد كان العجب العجاب وتحت الشعار الأعجب "الرياضة... حياة". ولكن الجاذبية تخلق المعجزات، ورغم أن الجاذبية قد تأتي نتيجة العلم بالأمر، إلا أنها قد تأتي أيضاً نتيجة الجهل التام به، وحب الاستزادة بالعلم، وهذا ما دفعني لتلبية الدعوة رغم أنها تصب في قناة المشاركة الإيجابية، وفي حلقة نقاشية مهمة يشترك فيها ممثلون عن الكتلة الرياضية الحكومية، ممثلة بالتوجيه المدرسي للتربية البدنية، وهيئات أهلية حكومية مشتركة -الهيئة العامة للشباب والرياضة- وعضو مجلس الأمة، ورئيس لجنة الشباب والرياضة في الهيئة التشريعية وممثلين عن بعض جمعيات النفع العام، ومنهم الصحفيون الذين أوقعوا المهمة على رأس...· فما كان بيدي إلا أن اختار منعطفاً خاصاً بي أسمته مديرة الندوة الإعلامية، إقبال الأحمد "المنعطف الفلسفي" إذ أعلنت انسحاب اهتمامي من عالم الرياضة الكبير بعد انحرافه باتجاه السياسة من جهة، والمؤامرات المادية التي تحاك في كواليسه من جهة أخرى، وآثرت أن أنزوي في رياضة العقل والحواس، وأحاول إقناع القوم -الرياضيين- بأنها تتقدم في أهميتها على رياضة الأجساد، إن لم توازيها أهمية. وما أن شعرت ببعض من رضا حتى ارتفعت حمى الضغط لدي باتجاه أن تصبح هذه التمارين أو التشغيل الرياضي للعقل والحواس عنصراً أساسياً من عناصر نظامنا الحياتي اليومي كالغذاء والماء والعمل، وفي النهاية قد تمثل له ميزان الإبداع فيه.
هنا، لا يختلف الأمر ما بين رجل وامرأة، فكلاهما مطالب بعطاء إيجابي نامٍ لا يتهيأ له إلا بالرياضة، وما يسبقها من ترويض، وما يلحق بها من تطويع، وفي ظني أن الترويض آت من الرياضة، ومثلما يحتاجها الحيوان يحتاجها البشر، والرياضة تروّض النفس البشرية وتعمل على تطويعها في مواجهة المستجدات بوعي، لكنه أمر لابد أن يبدأ مبكراً، وفي البيت، ثم المدرسة لأنها قدرة فيها الكثيرمن الإيهام تعتمد على كمّ ونوع من العلم وأسلوب في التعليم يجعل الحركة دائمة النمو وبالاتجاه الصحيح، سواء للعقل أو العين أو الأعصاب، أو ما يلحق من حواس من أجل مزيد من النمو والتهذيب.