من المعروف أن اللغة التربوية التي تستخدمها الأم مع أطفالها ويستخدمها المعلم -ذكراً أم أنثى- مع تلاميذه هي لغة تختلف باختلاف عمر المتلقي سواء في ذلك إن كان المراد أوامر ونواهي عامة أو سلوكاً علمياً مع الحرف والمعنى، ولكن يفوتنا دوماً -كمربين- في المدرسة أو في البيت أن نقول لهذا المتلقي -طفلاً صبياً أو ناضجاً- ما الغرض من عملية التعليم سواء في ذلك ما يأخذه في البيت من سلوك فردي أو اجتماعي، أو ما يأخذه في المدرسة من مواد علمية أو سلوكية. نحن دائماً نغفل السبب أو الغرض، لذلك نحصد (الغفلة) في نهاية المطاف، مما يحصر التعليم في كثير من الأحيان في ورقة اسمها الشهادة مدرسياً وينحصر -بيتياً- في اللحاق بحركات التقليد التي تتجذر في فترة المراهقة حين تتقدم ثقافة الأقران على ثقافة البيت، ويتعرض الصبي أو الفتاة في هذه السن إلى عمليات جذب بين اتجاهين مما يضطر البيت أحياناً لاستخدام لغة فيها بعض من العنف اللفظي بحجة تقويم المسار.
هنا، أعتقد شخصياً أن الطرفين قد فشلا في توضيح الغرض من التعلم، تعلم كل شيء -بيتياً أو مدرسياً-ولا يمكن لأمر مثل هذا أن يسير على قدم واحدة، فاللغة والقدوة هي الأقدام التي تسيّر العملية التربوية وتجيب على الاستفهام الغائب... لماذا؟ وما على الوالدين بعدها والمعلمين إلا تقديم القدوة السلوكية لنحصل على جيل واع... فالوعي نهضة عقلية تنعكس سلوكياً في التعلم والتعليم، الأمر الذي -ادّعى- بأنه قد غاب أو غيّب في التعليم العام اليوم كنتيجة طبيعية للتكدس البشري في مراكز التعليم وانشغال الأبوين معاً لسد حاجات الأسرة وسط عالم المتغيرات والمستحدثات المتلاحقة، وهو أمر لابد من مواجهته وبوعي حتى لا نتحول في بلادنا إلى أبواق لا تُسمع أحداً وآلات لا تنتج شيئاً.
خوفي هذا يتعاظم كل يوم وأنا أرى بلادنا الخليجية بالذات تضمن لأبنائها الوظيفة بحجة توزيع الثروة النفطية فيتساوى لديها القادر وغير القادر ما دامت شهادة التخرج واحدة، وقد يتقدم الآخر على الأول مستنداً على العزوة العائلية القبلية أو غير ذلك مما يفوز في سباق العقل والهوى وكلنا يعرف كم سرعة الهوى قياساً بالعقل.
ونتيجة لهذا الخلل أصبح السباق للحصول على الشهادة هذه محموماً إلى درجة التزوير العلمي والمادي، وهي حركة قد انتشرت في الكويت بين طلاب الجامعات العربية والدراسات العليا، حتى وصلنا إلى ابتداع دراسات لتندس بين المراحل التعليمية الأولية تحت مظلة التدريب من أجل تخريج دفعات تحمل أوراقاً تؤهلها لوظيفة ما في الجهاز الحكومي الذي تضخم إلى حدّ الانفجار في زمن تفرضه الحداثة لاستبدال العشرات من الموظفين بجهاز صغير يتم تشغيله بكبسة زر... ولكنها، هذه الكبسة الملعونة كم تحتاج إلى عقل يديرها جيداً وباستثمار علمي ومعرفي يضيف إلى العمل نمواً بالاتجاه الصحيح. هذا أمر لا يصعب كثيراً إذا أجبنا على الاستفهام قبل أن يسفر عن وجهه، وبناء عليه تجري تربيتنا وتعليمنا حتى نتغير ونغير، أي حتى نصوغ لأنفسنا شخصيات خاصة حيّة متميزة وينعكس هذا بالنتيجة على مجتمعنا بدلاً من أن نظل كما نحن اليوم، أنصافا من العاملين، في الأمومة والأبوة والتعليم والعمل، وما لم يتحرك النظام السياسي لتعديل الوضع سنظل أمة قاصرة، فهل نرضى لأنفسنا أن نظل في هذا الموقع؟؟