لقد خلقنا رب العزة والجلال من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالاً ونساء وبدأت الحياة دورانها منذ أن قضم سيدنا آدم عليه السلام التفاحة، وهبط وزوجه حواء إلى الأرض واقترنا لبدء سلسلة حياتية حيوية لا ينهيها إلا من بدأ سيرتها الأولى.
يبدو لي أنه ومنذ ذلك التاريخ ما استطعنا أن نقبل امرأة بلا زوج ولا رجلا بلا زوجة، فالقدوة قد عبرت جميع الحضارات، وتلونت بلونها، واستقامت، وأنتنت وفق قواعدها لكنها بقيت صامدة كسنة من سنن الحياة الإلهية المصدر، والتي تناولها الإنسان وعبث بها كيفما يشاء وفق ثقافاته المختلفة ما بين بقعة وأخرى في هذا العالم الواسع.
ومثلما نحمد الله كثيراً على مجمل نعمه، فإننا نحمده على بقاء الاحترام والتقدير لمؤسسة الزواج، مع علو المكانة عندما يلتحم الإجراء بقواعد وقوانين دينية.
ولأننا -العرب- ننتمى إلى أمة دينية التشريعات فإن المقولة بإتمام نصف الدين، عندما تطلق على عقد القران، فإن مكانة عظيمة تعطى لهذا الإجراء الذي قد تكتفي شعوب أخرى بإتمامه مدنياً، فلا يأخذ لديهم الزخم الذي يأخذه في بلادنا مما يجعل الحمى تصيبنا عندما يتم الفراق بين الطرفين تحت طائلة الطلاق، وهو أبغض الحلال عند الله، وكذلك عندما تفتر رغبة الشاب عن الدخول في هذا المعترك لإكمال نصف دينه... ولكن الحمى هذه تتحول إلى حرب نفسية ضروس، تشقق الصدر أحياناً فتخرج منه زفرات حرى وكأن السماء قد انطبقت على الأرض، وجاء يوم الوعيد، هذا عندما تحجم الفتاة عن الزواج، إما برضاها المرتبط عادة بأسبابها الخاصة، مقاييسها، وموازينها في اختيار فتى الأحلام، أو في تغليب موقع اهتمامها آنذاك -عندما يكون دراسياً- على الموقع الجديد المقترح، أو عدم توافق الفرصة الآتية مع التوقيت المقترح، فإن العواصف تظل تعصف بالبيت دون مبرر عقلاني، وفي هذا أيضاً تبتكر الأسرة المعاذير للرجل ولا تغفرها للمرأة. والغريب أن يستمر ذلك رغم كل المتغيرات في العالم والتي تزرع القوة في المرأة عن طريق التعليم والتأهيل والعمل، وتسمح للرجل أن يقترن بمن تصغره حتى بنصف قرن، وتستنكر على المرأة اقترانها بمن هو في سنها أو ربما أصغر منها بسنوات قليلة. وحتى القوانين الوضعية لبلادنا صارت تراعي شؤون المطلقات، والأرامل، ولكنها لاتلتفت للعازبات، وكأن قدرهن يفرض ويفترض وجودهن بدون رعاية ولا حماية وطنية، خاصة في مجال الإسكان، الأمر الذي يكمل للمرأة خصوصيتها التي لا يقبلها المجتمع -جهلاً- في كثير من الأحيان.
هذا الوضع المقلق اجتماعياً وليس فردياً فقط، قد رفع حاسة الحماس لما يعتقد أنه آفة اجتماعية يطلقون عليها المسمى القبيح (العنوسة)، فأصبحنا نسمع بلجان تزويج تذكرنا بمواسم التلقيح الحيواني والنباتي، فهذا إمام مسجد يزوج مريدي ساحته بمن يرغب لحمايتهم من الشيطان، وتلك لجنة خيرية تعمل بجد واجتهاد لسدّ ثغرة يرونها ولا نراها. ويغفلون عن أمر مهم وهو أن العشرة الصالحة هي الثمرة التي يطلب المجتمع أن يجنيها من علاقة رجل وامرأة، وليس مجرد الاقتران من أجل الاقتران، لأن العشرة الصالحة تخلق البيئة المناسبة الصالحة لتربية مواطنين من ذكور وإناث، فيهم الصلاح لأنفسهم ولوطنهم.