يحكى عن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أنه قال لصحبه يوماً: "دعونا نحلق لحانا قبل أن يحلقها لنا الغير"، في إشارة بالغة الرمزية، والوضوح معاً بأن دعوة الصلاح والإصلاح لابد وأن تستقبل بامتنان إن جاءت من الذات، أو من الجار، أو من عابر سبيل.
والإصلاح لابد وأن يحل في المجتمعات جميعاً كحركة دائمة مستمرة منتظمة متواترة بلا توقف، وهو الطريق الوحيد للنقلة ما بين الأمس واليوم، ثم الغد، بالتعاطف والتآلف والتحالف إلى حد الاندماج -ربما- مع مستجدات العصر. فالجديد لا يأتي إلا لسد نقص في القديم، وما النقص هذا إلا دليل تهاو ناتج عن انعدام حفظ، وصيانة، وتجديد بيئة للمشار إليه سواء كان هذا تراثاً مسطوراً أو سلوكاً خاصاً أو عاماً أو تعدى ذلك إلى الهياكل الإدارية أو أدوات التعبير.
لكن العجيب في أمرنا نحن العرب أننا نجري جرياً وراء ما نختاره وما يجلب لنا المتعة الذاتية، من مأكل ومشرب وملبس، وخلق كل ما يعطي حياتنا اليسر والجمال، والراحة والفخامة، كل بما يتناسب مع أحلامه، ولكننا نتوقف ونتردد ونراجع الكثير من حساباتنا الخاصة عندما تبرز في الساحة "المشاركة" بكل ما تحمل من حقوق لطرف آخر غير الذات. وهنا قد يتم بعض التنازل إن كانت المشاركة للمقربين من الأهل والخلان، لكن التصلب يبلغ حدوداً لا يقبلها عقل ولا منطق عند عبور العائلة، والفخذ، والقبيلة. فالقول الكريم "الناس سواسية كأسنان المشط" له المكانة في الوجدان فقط. والقول الأكرم "وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" له الموقع المقدس عبر الصلوات الخمس قولاً وتكراراً. لكن جداراً إسمنتياً يعلو للفصل ما بين الإنسان العربي وحقوق غيره عليه، من وطن يؤثر أن يعيش في كنفه، ومواطنين يشاركونه الإيثار ذاته، ومستقبل بالغ القسوة في فرض حالة كالشمس التي قررت أن تشرق على الكرة الأرضية بعمومها في لحظة واحدة. فهل يحق للعرب أن يسدلوا الستائر السوداء ويدعون عدم العلم بها والخلود إلى النوم؟
إنها حركة الانفتاح والتواصل التكنولوجي التي سطحت الكرة الأرضية وجعلت العالم، كل العالم يستقبل شعاع الشمس في ذات اللحظة، فلا مفر ولا مبرر للادعاء بالمحافظة على التاريخ والتراث والهوية ملحقاً بالتقاليد والعادات. إن الموجة أعلى من أن تواجه وليس أمامنا من أداة للمواجهة سوى المزيد من العلم والقدرة على التأقلم والمسايرة، ومثلما استوردنا ما سدّ حاجتنا للراحة والاستراحة، وما هيأ لنا الوقاية والعلاج وأكرمنا بفيض زمني للتسلية والمتعة.
لنستورد اليوم الإصلاح فننظم حياة الأسرة مقننة مدنياً بعد أن انعدم احترامها دينياً، وننظم المجتمع وفق مسارات المساواة والعدالة، واحترام حقوق الإنسان، ولنجسد الشفافية في العلاقات العلمية والعملية، وتلك الرسمية والشعبية وما يصل بين السلطات الثلاث، التشريعية، التنفيذية والقضائية، وبين المواطن ذهاباً وإياباً. لم تعد حجة الصفة الريعية مقبولة للحيلولة دون الإصلاح فلنرحب به ما دام قادماً ولا داعي لعنترية "بيدي لا بيد عمرو".