كان مشهداً عجيباً غريباً ذاك الذي وقعت عليه عيناي بالأمس. مجموعة غضَّة من شباب الكويت يحملون على أذرعهم الطرية الأسطل والأكياس البلاستيكية وعلى الذراع الأخرى مكنسة وملقطاً، انتشروا في المنطقة يعتذرون لأرض الوطن على تدنيسها بالمخلفات، هم بشر فكانوا لعيني أقرب لصور الملائكة، والذين دنسوا الأرض بشر أيضاً، لكنهم أقرب للشياطين... كانوا مجموعة البيئة. مشهد أثلج صدري حقيقة لكنني ما أردت له أن يستمر لأن نظافة المواقع إنما هي مسؤولية من يسكن تلك المواقع، وبعدهم تأتي بلدية الكويت، التي تستلم كل عام عطاءات مختلفة للقيام بهذه المهمة، لكنها تدفع المال ليضعه التاجر في جيبه ولا من رقيب ولا حسيب. والبلاد تزداد قذارتها كل يوم حتى أن بعض الناس صاروا يردون بأنه كلما كثر المال ازدادت القذارة، وليس هذا بالقول الغريب، فقد أصبح أصحاب المنازل يعتمدون على الخدم. وهؤلاء قد قدموا من بيئة مغايرة تمام المغايرة عن بيئتنا بالإضافة إلى انعدام التدريب على العمل المطلوب.
"ربّ ضارة نافعة" قد تنطبق هذه المقولة على الكويت قياساً بما تعرضت له بيئتها البرية والبحرية والجوية من تلوث أثناء احتلال العراق لها، وتدميرها المتعمد قبل انسحاب القوات منها. فقد كانت الهزة أكبر من أن يتحملها التجاوز السلمي، فكان أن دبت الحياة فجأة في "جمعية المحافظة على البيئة" المعتبرة من مؤسسات المجتمع المدني حيث تحولت لديها المحافظة سبيلها ما قبل الاحتلال إلى المكافحة من أجل بيئة أفضل بعد التحرير. وأظن أن وخز الشيخة أمثال الأحمد للضمير الكويتي بالإبر وهي تتبنى فريق الغوص التطوعي الكويتي لتنظيف البيئة البحرية والقيام بالعملية الجبارة التي تحدثت عنها سابقاً لاستعادة النظافة إلى مياهنا الخليجية، وعودة أسماكنا اللذيذة كان في الصالح العام، وقد تم تدشين محمية صباح الأحمد الصحراوية موقعاً للمحافظة على النباتات والحيوانات والطيور البرية.
ولكن، رغم أهمية أن نصلح ما يتلفه البشر وهو مشهد جميل، ولكن الأجمل منه أن نعودهم على تقليص نشاطهم في إتلاف البيئة وهو أمر صعب ولكنه ليس بمستحيل. فنحن لم نصل بعد إلى مستوى قذارة سنغافورة والتي أصبحت بفضل قيادتها السياسية الحالية أنظف وأجمل بقعة على وجه الأرض، ولكننا نستطيع أن نقتفي أثرها في سبيلين، أحدهما سهل المنال، والآخر صعب وعقيم ويحتاج إلى بعض من شجاعة والتزام، أما الأول فهو ما نمارسه اليوم من محاولة سدّ الثغرات والقيام بتنظيف ما يمكن تنظيفه بواسطة المقاولات البلدية لتجميع المخلفات بالأجهزة الحديثة ولكن بعمالة غير مدربة ولا مؤهلة للقيام بمثل هذا العمل بالإضافة إلى محاولات التوعية الإعلامية الساذجة والفجة في أغلب الأحيان كاللافتات في الحدائق العامة حيث لا يحترم محتواها على الإطلاق بل يجهض أمام سمع وبصر المشرفين إن كان هناك مشرفون.
أما السبيل الآخر وهو الحل الناجع ولكنه الصعب والعقيم، فإنه سن قانون عقوبات مادية لكافة الانتهاكات البيئية، وهذا ما جعل سنغافورة تنتقل من السواد إلى البياض في زمن قياسي... لقد بدأت ضبط المخلفات من السيجارة، وشهدت هذا بنفسي عند زيارتي الأولى لها منذ عشرين عاماً ووجدت انتشار مواقع إطفاء السجائر بالشارع وخاصة عند مواقف المواصلات العامة، لأن غرامة إلقاء عقب السيجارة على الأرض تكلف المواطن ما يعادل خمسة دولارات أميركية يدفعها في الحال كغرامة. وهو أمر عقيم لأن مصدر القوانين في كويت اليوم هو مجلس الأمة، ولا أظن أن النظافة سوف تتصدر أجندتهم حتى لو التحف أهل الكويت قذارة العالم كله.
أظن أن الكويت أصبحت نيويورك الخليج من حيث عدد الجنسيات المقيمة فيها، لذلك أشعر أن مشهد عيالنا ينظفون الشوارع قد يكون جميلاً ولكن الأجمل منه أن يشعر كل مقيم على هذه الأرض الطيبة بواجبه تجاهها وتجاه أهلها.