نعيش عالماً تتقارب فيه الدول وتتباعد وفق آفاق معلومة، تتناول هذه الآفاق المواقع أحياناً، واللغة أحياناً أخرى متبوعة بالتاريخ والتراث والدين، وصولاً إلى المصلحة المتبادلة أو المشتركة. لكن العلاقة ما بين مملكة البحرين ودولة الكويت تبقى خارج تلك الآفاق في خصوصيتها وتميزها، فهي تقترب في ذهني من حبل سري تعقده أم بين ولديها أو ابنتيها على رغم اختلاف الأبوين، فيصبحان أخوة ذوي علاقة أعمق من علاقة الأشقاء. يغدق الواحد منهم على الآخر بلا منّة، فيستجيب الآخر بكرم منه أكبر من الكرم ذاته.. حتى وصل الأمر إلى المحاكاة الصالحة تاريخياً وحضارياً، والتي تمت في مجالات عدة أهمها التعليم الذي بدأ في البحرين وزحف إلى الكويت 1912، وكذلك إنشاء بلدية الكويت 1930 تقليداً لبلدية البحرين. وأظن أن المسار الديمقراطي في البلدين قد مرّ بتجربة متشابهة في المخاض، وكذلك في الانتكاسات حتى استقام عوده على صورتين متشابهتين ومختلفتين، لا تمنع تمني كل منهما أحياناً أن تكون صورتها هي الأخرى، كلما ضاق بها جو الفهم والتفاهم. لكن يظل التسارع نحو تحديد الكتل النيابية سبيلاً إلى تقويتها كماً وكيفاً، هو التحدي المستمر والمتجدد في حالة الكويت، كما يمثل الموضوع ذاته الهاجس كمرحلة أولى في حالة البحرين. ولعل الموقف من برنامج "الأخ الأكبر" كممارسة برلمانية تدريبية قد أخذ بيد الهاجس لإيصاله إلى مرحلة النضج بالتحدي وأعتقد -شخصياً- أن القيادة السياسية -ولتعذرني- قد خانها الصواب بالتنازل وجعل الغوغائية تكسب الجولة الأولى، وهي الجولة الأهم في نظري، لأنها تمثل سبقاً يصعب نسيانه.
بصراحة أنا لا أعرف شيئاً عن هذا البرنامج، ويكفيني أن "أفزع" من مسماه كردة فعل يذكرني بشخصية الأخ الأكبر في رواية الكاتب الانجليزي جورج أورويل، المسماة (1984) والتي تداولناها أوائل الستينيات أي منذ قرابة نصف قرن من الزمان، والتي أسقطت في نفوسنا كماً من الخوف الرهيب من "الأخ الأكبر" المراد به النظام الشيوعي تحذيراً من زحفه علينا وابتلاعنا. وأذكر أن الكتاب قد جعلنا نشعر أن "الأخ الأكبر" إنما هو عصب حسي يسكن ما بين جلد الإنسان وعظامه يحسب عليه أنفاسه إرضاء للنظام السياسي. يكفي أن نتصور هذه البشاعة حتى يكون النفور من المسمى. لكننا اليوم أمام موضوع آخر مأخوذ ربما من جورج أورويل كمسمى ولكنه معالج فنياً وإعلامياً بصورة قد لا توافق ما نريد أو ما نرغب أو ما نحب، ولكننا لا نملك هذه الأرض ولا نملك السماء، لا نملك غير بيوتنا وعقولنا وعيوننا وآذاننا، ولا يستطيع أب أو أم أن يدعي بأنه يسيطر على أمزجة أفراد عائلته.
اعذروني إذاً عندما أقول إن قلبي مع البحرين وأهلها...
ليس أقسى على الوطن ولا أتعس من خلط الأوراق ومزج التخصصات بعضها ببعض، والتسابق بالقفز على مواقع الآخرين بادعاء الفهم الأكثر أو الأعمق أو الحرص على العادات والتقاليد، فهذه الأخيرة إنما هي ملك عام صناعة وتجسيداً والتزاماً، وللعموم كل العموم الحق في الإبقاء عليها أو تعديلها أو حتى اقتلاعها. آن لنا أن نصل بنظامنا الديمقراطي إلى احترام آراء الآخرين ورغباتهم بعيداً عن وصاية أي منا على الآخر دون النظر إلى حجم الكتلة، فلكل إنسان حق التنفس بحرية ومن الهواء الذي يختاره هو بعيداً عن لوثة الآخرين، حتى نصبح مثل باقي شعوب الأرض لها ما لها، وعليها ما عليها. ولنتذكر دوماً بأن للهدم ذراعاً أطول وصوتاً أعلى من البناء.