بعد أن هجم المرشد الإيراني أخيراً على الولايات المتحدة، وقال إنه لن يفاوض، وهو ضامن لخسارة أميركا في كل مكان، عاد نصر الله إلى شنّ هجمات على المملكة العربية السعودية، وغمز من قناة كل الأطراف السياسية اللبنانية، ثم عاد إلى التحدي باستقبال وفد قال إعلامه إنهم من «الحوثيين»!
صار المراقبون يعرفون الآن تقريباً التكتيك الذي ستلجأ إليه إيران في الصراع مع الولايات المتحدة. فهم يدفعون أنصارهم للتوتير في كل مكانٍ، وبخاصةٍ في العراق وسوريا ولبنان. في العراق أظهروا عداءهم للعبادي والصدر والحكيم، ودفعوا باتجاه حكومة يشكلها تكتلا المالكي والعامري. وذلك مع أنهم يعرفون أن في العراق الآن آلاف الجنود الأميركيين، وأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون. كما يعرفون أنه لو فازت تحالفاتهم بتشكيل الحكومة، فإنّ الأميركيين سينسحبون وستعود الفوضى وربما داعش. إنما هذا لا يهمهم، بل كل ما يهمهم إظهار القدرة على إزعاج الأميركيين.
وفي سوريا انسحبوا تحت وطأة إسرائيل وروسيا إلى عند قاعدة C- 4 بعيداً عن حدود الكيان الصهيوني بمقدار 138كلم. والروس يعدون بأن يُخرجوهم من سوريا مع الوقت. لكن هم يقولون إنهم ماضون في تثبيت أنفُسهم هناك. وبخاصةٍ على الحدود مع العراق، وفي المناطق المحاذية لإدلب، فيما وراء حمص وحلب، وهم يتنافسون مع الأتراك في كسب تأييد الروس: الإيرانيون لشن حملة على إدلب، والأتراك بعكس ذلك. وبوتين يستمهل هذا وذاك من حلفائه ليرى إذا كان بالإمكان عقد صفقة مع الأوروبيين والأميركيين بشأن أخذ مقابل لإعادة اللاجئين من لبنان والأردن. فإن مشى الحال، فهو مستعد لمنع الإيرانيين وحليفهم الأسد من نشوب القتال، وإنْ لم يدفع الأوروبيون فقد يكون مستعداً للمشاركة بطيرانه في الحملة، وهو الأمر الذي يرتعبُ منه الأوروبيون والأتراك على حدٍ سواء!
وفي لبنان يحاول نصر الله استفزاز العرب، واستفزاز الفرقاء السياسيين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة. وهدفه إظهار تحكمه بلبنان، وأنه قادر على استخدامه بأي اتجاه تريده إيران. مع أنه يعرف أنّ أيَّ حركة قد تكلفه حرباً مع إسرائيل، فضلاً على أنّ شلل إدارة لبنان وعدم تشكيل حكومة فيه يعني سقوطه اقتصادياً، وازدياد الحصار عليه من ضمن الحصار للحزب. وهذا يعني عدم القدرة على استخدام البلاد خط إمداد ضمن الهلال الشيعي. لكنْ كما سبق القول؛ فإنّ الهدف الأعلى الآن إزعاج أميركا والسعودية بأي ثمن.
وفي غزة، حاول الحزب دفع «حماس» لشنّ حربٍ على إسرائيل. لكنّ حماساً تسعى الآن لمهادنة إسرائيل من خلال وساطة مصرية، ووسيط من الأمم المتحدة: فهل تنجح إيران في دفع «حماس» للحرب مرة أُخرى؟ هذا ما ستُظهره الأسابيع القادمة.
في لبنان اتجاه الآن يقول إنّ السيطرة الإيرانية على البلاد أقوى منها حتى على العراق. ففي العراق معارضون لإيران وليس في لبنان معارضون حقيقيون. فالأطراف جميعاً تقول إنّ «حزب الله لا يستخدم سلاحه في الداخل» وهذا غير صحيح بالطبع، فكيف وهو يسيطر على المطار والمرفأ ومؤسسات رسمية كثيرة أُخرى، وهو يسيطر على قرار الجيش، وهو يسخر ممن يذكّره بمبدأ النأي بالنفس، ويقول: لا نأي عن الأسد وعن «الحوثيين» مهما كلف الأمر ولو كلفنا حرباً، فالمقاومة أقوى من كل جيوش الدول العربية، وأقوى من إسرائيل. وهذا يعني بالطبع أنهم أقوى من الجيش اللبناني. وما ردَّ فريق سياسي على خطابه، ولا ذكَّر بالنأي بالنفس إلاّ بعض المسؤولين العرب!    
هل يمضي «حزب الله» قدماً ويستخدم السلاح في الجنوب؟ الأميركيون يشكون من أنّ الحزب عاد إلى جنوب نهر الليطاني بسلاحه، وهو مخالف للقرار الدولي رقم 1701. وسيحل موعد التجديد للقوات الدولية في سبتمبر، ورئيس الجمهورية يصرّح أن التجديد سيحصل من دون مشاكل!
تزامن خطاب «نصر الله» عن شن حروب في كل مكان، مع إجراء اتخذه الرئيس، وذكرته وسائل الإعلام في مقدمة نشراتها. إجراء رئيس الجمهورية كان: تحديد تعرفة للماكينات التي تولّد الكهرباء في أول أكتوبر! ومعظم اللبنانيين تنقطع عنهم كهرباء الدولة عدة ساعات في اليوم، فيلجأون للاشتراك في موتورات لتوليد الكهرباء. والشاهد أنّ هذا الهمّ وهموم أُخرى مشابهة هي شغل المسؤولين، ولا يهتم أحد لا بسطوة الحزب، ولا باستتباع لبنان للمحور الإيراني، والآن يراد من جانب باسيل ونصر الله وآخرين الإرغام على تطبيع العلاقات مع سوريا، التي كانت تبيعنا الكهرباء وهي بهذه الحالة، وإدارة الدولة عاجزة عن تحديث قطاع الكهرباء وإصلاحه ومصرة على استمرار الفساد فيه! ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
*أستاذ الدراسات الإسلامية- الجامعة اللبنانية