أثار فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم في 15 يوليو 2018 فرحاً جماعياً في فرنسا قل نظيره، فرحٌ ربما لا تستطيع أن تجود به سوى الرياضة، وبخاصة كرة القدم. فقد احتشد ملايين الأشخاص في كل المدن الفرنسية من أجل الاحتفال بانتصار المنتخب الفرنسي. ولكن علاوة على الانتصار في حد ذاته، يمكن القول إن هذا الأخير ستكون له تداعيات على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الدولي معاً.
ومما لا شك فيه أن هذا الانتصار لن يغيّر معدل البطالة، أو حالة الاقتصاد، أو الصعوبات الاجتماعية التي يمكن أن يواجهها كثير من الفرنسيين؛ ولكنه بعث في نفوس الفرنسيين سعادة غامرة. إذ لم يسبق في التاريخ الفرنسي أن خرج الفرنسيون إلى الشوارع بمثل الأعداد التي خرجوا بها من أجل الاحتفال عقب الفوز. فرح جماعي فريد من نوعه حيث لم تعد ثمة حواجز بين الطبقات الاجتماعية، وبين الأفكار السياسية، وفصائل المعارضة: يومها كانت فرنسا مجتمعة وموحدة، وهذا شيء قلما يحدث. وبالطبع، هذا الأمر لا يدوم إلا بعض الوقت، ولكنه يخلق سعادة غامرة، غامرة للغاية، مازالت آثارها موجودة إلى اليوم، وستظل موجودة طيلة الصيف على الأرجح، وسعادة ممتدة، ذلك أننا في كل مرة نستحضر فيها انتصار 1998، تعاودنا لحظات الفرح والابتهاج، كنوع من الذكريات السعيدة التي تأبى الزوال.
وعلاوة على ذلك، يعطي هذا الانتصار صورة إيجابية عن الفرنسيين، ذلك أن المنتخب الذي حقق الفوز منتخب شاب سعيد ومنسجم، يحترم الآخرين، ويصغي للمشجعين. كما أنه يعطي صورة إيجابية عن الأحياء، والضواحي، التي تزخر بما لا يحصى من المواهب والطاقات التي لا نتحدث عنها دائماً. ولا شك أن وضع أسماء المدن التي رأى فيها اللاعبون الثلاثة والعشرون النور على «قوس النصر» كان فكرة ممتازة.
وعليه، لنتجنب المبالغة: فهذا الانتصار لن يغيّر المجتمع الفرنسي بشكل كلي؛ ولكن علينا أن نتجنب المبالغة في الاتجاه الآخر أيضاً: ذلك أن الانتصار يخلق حراكاً، ويحمل بين ثناياه إرادة العيش المشترك، وهذا شيء إيجابي. إنه ليس عصا سحرية ستغيّر كل شيء، ولكنه عنصر إيجابي، وشيء يجعل الفرنسيين أكثر تسامحاً، وأكثر سعادة، وأكثر انفتاحاً على أنفسهم وعلى بقية العالم.
والواقع أن هذا الانتصار ستكون له أيضاً تداعيات على المستوى الدولي. ولكن هنا أيضاً ينبغي ألا نجنح للمبالغة. ذلك أن الانتصار لن يغيّر الناتج الإجمالي المحلي لفرنسا ولا حجم قواتها المسلحة، بعبارة أخرى: العناصر الكلاسيكية لقوتنا الصلبة، غير أن الصورة التي ستصبح لدى الأجانب عن فرنسا ستتحسن بفضل هذا الانتصار. وهي صورة بلد يحقق الفوز وبلد سعيد ولطيف أيضاً، على غرار احتفال اللاعبين بعد الانتصار تحت أمطار غزيرة.
إنه شيء سينضاف إلى رصيد فرنسا. ذلك أنه سيلمع صورتها وسينعكس إيجاباً على كل الجوانب الأخرى للبلاد؛ حيث سيُنظر إلى هذه الأخيرة من الآن فصاعدا بشكل أكثر إيجابية، وأكثر احتراماً مقارنة مع ما قبل الانتصار. فالشيء المثير للاهتمام في الرياضة، ولاسيما كرة القدم، هو هذه القوة الناعمة. ذلك أن القوة - وفرنسا قوة كروية - لا تخلق الرفضَ أو مشاعر العداء، كما في مجالات أخرى، وإنما، على العكس من ذلك، تثير الإعجاب والاحترام. وبفضل اللاعبين الفرنسيين، باتت فرنسا محل احترام وإعجاب اليوم أكثر من الأمس.
ولكن هنا أيضاً، الأمر لا يستمر للأبد، ولا يغيّر الأشياء بشكل كلي، ولكنه يغيّرها مع ذلك. وهنا أتذكر جيداً أن أول ما كان يحدثني عنه الناس في كل البلدان التي كنت أزورها، خلال الفترة من 1998 إلى 2002، هو المنتخب الفرنسي لكرة القدم، وذلك بغض النظر عن موضوع المؤتمر أو المنتدى الذي أشارك فيه.
ويمكن القول إن الشيء نفسه سيحدث أيضاً خلال الأربع سنوات المقبلة. والواقع أن لدينا هذا الحظ وهذا الامتياز كوننا فرنسيين، وذلك لأن الناس سيربطون بشكل مباشر في أذهانهم بيننا وبين هذا المنتخب الذي حقق الانتصار. وبفضل لاعبينا، يمكن القول، إن الـ66 مليون فرنسي صاروا بشكل من الأشكال أبطال العالم. ولهذا، ينبغي أن نشكرهم. ولنحاول اغتنام هذا الانتصار على نحو يقدّره حق قدره.
*مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية- باريس