لكل حدث إقليمي دلالات ومؤشرات تحدد الفارق الجوهري بين سياسات الدول وأسلوبها في التعاطي مع الأزمات. فالبعض يحاول استغلال التوترات الموروثة منذ عقود لتحقيق نفوذ انتهازي، دون السعي لحل الإشكالات العالقة. وأكبر مثال على ذلك الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي التي تتوارث أزمات قديمة، ولم تجد من قبل من يدفع باتجاه حلها بنوايا صادقة، لكن الإمارات نجحت في تحقيق هذا الهدف السامي. ولعل تهديدات الحوثيين المتكررة لأمن البحر الأحمر كانت محفزةً للقيام بخطوة إماراتية مركزة لتأمين استقرار الضفة الأخرى من البحر الأحمر. وبخاصة أن التدخلات الإيرانية تتطلب تأمين استقرار الدول المطلة على الضفة الأخرى من جهة أفريقيا. لأن طهران لم تتوقف عن استغلال المتمردين الحوثيين ودفعهم للقيام بحماقات تضر بالملاحة الدولية. وبالتالي برزت بشكل ملح مسألة ترسيخ الاستقرار في القرن الأفريقي، نظراً للحاجة الملحة للتفرغ لمعالجة الوضع على الساحل الغربي لليمن. وفي هذا السياق، عندما نتأمل جهود دولة الإمارات في إنجاز المصالحة التاريخية بين إريتريا وإثيوبيا، نلمس الفارق الهائل بين شكل ومستوى الحضور الإماراتي في القرن الأفريقي، من حيث غاياته النبيلة التي تربط بين الاقتصاد والسياسة وتحقيق مصالح الشعوب، وبين القوى الأخرى التي تتعامل مع جغرافيا القرن الأفريقي بصورة انتهازية. ففي ظل التحالف الصارخ بين قطر وإيران، إلى جانب تركيا، لم تعد الدوحة تهتم سوى بتحقيق اختراقات لمصلحة قوى قديمة مثل تركيا غير المرحب بنفوذها، لكن قطر تريد إحياء النفوذ التركي حتى من بوابة أفريقيا، وتريد التقرب من طهران وخدمتها نكاية بدول الخليج. لكن السلوك القطري العدواني في القرن الأفريقي فشل فشلاً ذريعاً، بفضل جهود الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي استطاع بحكمته وإصراره التوفيق بين دولتين في القرن الأفريقي وإزالة الخلاف بينهما، وبذلك تم قطع الطريق أمام القوى الحاقدة التي تضع على رأس أهدافها إدامة الصراعات في القرن الأفريقي لاستغلال التناقضات. ورغم كل العراقيل والمؤامرات، فإن جهود الإمارات أثمرت تحقيق مصالحة تاريخية بين إريتريا وإثيوبيا، بعد أكثر من عقدين على الصراع المفتوح بينهما، والذي كان عائقاً يؤثر سلباً على ازدهار واستقرار البلدين الجارين أمنياً واقتصادياً. وتكللت جهود الإمارات بإنهاء الخلافات وتوفير فرصة ذهبية لآفاق مستقبلية لمصلحة الشعبين الأريتري والإثيوبي. وهنا يتضح الفارق بين التوجه الإماراتي الذي يتبنى نشر الخير والسلام في المنطقة، وبين السياسة القطرية الحاقدة التي تسير على النهج التركي والإيراني الذي يعتمد الانتهازية والتخريب. وللأطراف الثلاثة، قطر وتركيا وإيران، أنشطة استغلالية مشبوهة في بعض دول القرن الأفريقي، وسبق لقطر العبث بالساحة الصومالية وحرمان الصوماليين من مكاسب إيجابية، بالإصرار على إدخالهم في حظيرة الحلف الثلاثي بين قوى تستثمر أموال قطر للعبث بأمن المنطقة. فعندما سعت قطر بإيعاز تركي إلى زعزعة الجهود الإيجابية للإمارات في الصومال، لم تقدم الدوحة أي بدائل، بل كشفت عن أهدافها التي تندرج ضمن المكايدات. بينما نجحت الإمارات في وضع بدائل، وأثمرت الدبلوماسية الإماراتية التي نشطت على أعلى المستويات في جمع القيادتين الإريترية والإثيوبية، وتحققت شروط نجاح المصالحة، وتعززت أكثر بانعقاد القمة الثلاثية التي جمعت في الأسبوع الماضي بأبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفخامة أسياس أفورقي رئيس دولة إريتريا الصديقة، ومعالي الدكتور آبي أحمد رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية الصديقة. النتائج التي تحققت تؤكد الدور الإيجابي للإمارات في بناء الاستقرار ودعم الأمن الإقليمي والعالمي، وبخاصة في القرن الأفريقي، وما يتبع ذلك من تحفيز فرقاء الماضي لتشجيعهم على التكامل الاقتصادي، لأنه يمثل قاعدة النهوض والتنمية في المستقبل. وختاماً يلاحظ المتابع حجم التشكيك الذي قام به الإعلام القطري ضد المصالحة الناجحة بين إريتريا وإثيوبيا، ما يعكس مستوى الإحباط الذي أصاب إعلام الدوحة، لأن الأخبار المفضلة لديهم تتعلق بالأعمال الإجرامية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية التي تريد قطر أن تدعمها وتنميها من جديد في الصومال وغيرها! بينما تسعى الإمارات لتحقيق الاستقرار وتشجيع التقارب والتصالح الذي يمنح القرن الأفريقي السلام والازدهار.