حين اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ الإمارات كأول محطة له في جولاته الخارجية بعد انتخابه، كان يدرك، بكل تأكيد، أن الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة، وأن لها ثقلها السياسي والاقتصادي المحوري في السياقين الإقليمي والدولي، وأنها دولة جعلت من التنمية الشاملة هدفاً ومحدِّداً في سياساتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وقد وجدت في العلاقة الاستراتيجية مع الصين الشراكة المثمرة الساعية لتحقيق التنمية والسلام على صعيد عالمي. لأن الإمارات والصين تتبنيان توجهات متشابهة فيما يتعلق بالسياسات والمقاربات الدولية الإيجابية، الداعمة لبناء نظام دولي بنّاء عنوانه الاستقرار والازدهار. ويتخذ البلدان على الدوام خطوات عملية لتنفيذ وتحقيق نتائج ملموسة في هذا الصدد. ومن هنا تأتي الأهمية البالغة التي يوليها البلدان للزيارة التاريخية التي يؤديها الزعيم الصيني للإمارات وتحتفي بها الدولة هذا الأسبوع ثقافياً. وتعتمد الإمارات والصين لوضع خطط مستقبلية لتعزيز التنمية فيما بينهما أهمية كبيرة، ومع بقية دول العالم الأخرى. ويظهر هذا جلياً في مبادرة «الحزام والطريق» التي تمنحها الصين اهتماماً كبيراً، إذ ستربط بين 63 دولة حول العالم على الأقل، بالإضافة إلى الاهتمام الكبير من الصينيين بإقامة جناح ضخم في إكسبو 2020، الذي يعتبره حدثاً عالمياً بارزاً سيكون له مردوده الكبير على الصين ومختلف الدول المشاركة في هذا الحدث الاستثنائي. وفيما يتعلق بالتجارة الدولية ترغب الإمارات في تخطي الحواجز والعراقيل، وتحقيق اندماج أكبر في الاقتصادات العالمية المتنوعة، وتنويع الشراكات الاقتصادية التي تتعامل معها، وإدخال شركاء غير تقليديين من القوى الاقتصادية البازغة. وفي المقابل تسعى تلك القوى أيضاً لتحقيق الاستقرار في أوضاعها الاقتصادية والمالية والتنموية، وفي مقدمتها جمهورية الصين الشعبية التي تنعم باستقرار اقتصادي كبير، وتحقق معدلات نمو عالية، وقد أصبح اقتصادها من أكبر الاقتصادات في العالم، بل أصبح مرشحاً لأن يكون الاقتصاد الأكبر. ويستطيع العديد من دول المنطقة الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق تنمية اقتصادية متسارعة في ظل نموذجها التنموي الذي عرف بـ«النموذج الصيني»، ويكون ذلك عندما تتمكن الدول المعنية من الدخول في شراكات متكافئة وجادة مع الصين، كما هي حال الشراكة النموذجية، الإماراتية الصينية. وتنظر الصين للإمارات كشريك متميز، يمتلك قطاعاً حيوياً وديناميكياً في مجال مصادر الطاقة التي يحتاج إليها الاقتصاد الصيني بشكل كبير. كما يتيح الاقتصاد الوطني الكثير من الفرص الاستثمارية لممارسة النشاط والانخراط في اقتصادات المنطقة. والصين أيضاً في حاجة إلى سيولة لتفعيل شركاتها، وتوفير فرص لسكانها الذين يتجاوز عددهم المليار نسمة، كما أنها تحتاج إلى سوق تجارية لترويج سلعها وبضائعها وخدماتها، وكذلك قوى العمل الوطنية فيها، ولن تجد أفضل من سوق الإمارات، إذ يسجل ميزانها التجاري فائضاً كبيراً، وتمتلك من المقومات والبنى التحتية ما يجعلها مقصداً للاستثمار وتوفر فرصاً وخدمات عالية الجودة. كل ذلك لم يكن من فراغ، وإنما حصاد لما غرسه المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، حينما زار الصين في عام 1990 الزيارة التاريخية التي رسمت هذا التقارب الإنساني والثقافي. ولم تقتصر العلاقات الثقافية الإماراتية الصينية على الأسبوع الصيني في الإمارات، فعلى مر الأعوام شهدت العلاقات بين الدولتين عدّة محطّات ثقافية وعلمية هامة، منها تأسيس مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين عام 1994. كما أقامت الصين معهد كونفوشيوس في جامعة دبي في ربيع عام 2011 كأول معهد يُدشّن من نوعه في الخليج العربي، وينظم المعهد دورات لتعليم اللغة الصينية. ووقّعت دولة الإمارات مع الصين بشأن التعاون في مجال الاستكشاف السلمي للفضاء، حيث تختص بتبادل الأبحاث العلمية في مجال دراسة الفضاء بين وكالة الفضاء الإماراتية ووكالة الفضاء الصينية. كما تتضمن تبادل التدريب والمحاضرات وغيرها من برامج بناء القدرات المتصلة بعلوم الفضاء، وتشمل مجالات البحث والتطوير، التي تنصّ عليها مذكرة التفاهم، والتجارب العلمية على الأقمار الاصطناعية. الإمارات والصين تمتلكان عوامل مشتركة قادرة على إيجاد علاقات اقتصادية وثقافية فريدة من خلال الاستفادة من التجربة الإماراتية الثرية والنموذج الصيني.