في الخامس من شهر يوليو الجاري، غادر سكوت برويت، مدير وكالة حماية البيئة في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منصبه في ظل ضغوط كبيرة من موظفي البيت الأبيض، على الرغم من أن ترامب دأب على امتداح جهوده. وأقيل «برويت» بسبب مجموعة من المخالفات الأخلاقية المثيرة للغضب التي لم يعد من الممكن، حتى لمرؤوسيه، التسامح معها. وحلّ مكان برويت نائبه في الوكالة «أندرو ويلر» مؤقتاً، وهو موظف قديم وكفء ومتمرس على العمل في الجهاز الحكومي، كما أنه عضو سابق في إحدى جماعات الضغط المعنية بقطاع الفحم. وكما هو الشأن بالنسبة لـ«برويت» و«ترامب»، فإن «ويلر» أيضاً يحمل الفكر ذاته بشأن السعي إلى إلغاء كثير من التنظيمات البيئية التي فرضتها الإدارات السابقة برئاسة باراك أوباما. وأثناء فترة وجوده على رأس وكالة حماية البيئة، تعرّض سلوك «برويت» وممارساته التسييرية لانتقادات كثيرة، خصوصاً تبديده الصارخ لأموال دافعي الضرائب على تفاصيل أمنية خاصة، وإصراره على السفر في الدرجة الأولى، وإنفاقه الباذخ على الأثاث المكتبي، وجهوده الحثيثة الرامية إلى إعطاء وظائف فريق عمله المغرية لأقاربه بشكل خاص.. ولعل ما خفي كان أعظم! وقد أنفقت موارد حكومية طائلة من أجل إجراء تحقيقات في سلوكياته «برويت»، لدرجة أنها أصبحت مهمة صعبة وغير ضرورية للإدارة التي تعاني بالفعل نقصاً في عدد موظفيها. والمشكلة هي أن السلوكيات الخاصة لبرويت شتتت الانتباه عن الضرر الحقيقي الذي تسبب فيه هو ورفاقه على نحو من شأنه تقويض وكالة حماية البيئة. فإلى جانب «ريان زينكي»، وزير الداخلية، و«ريك بيري» وزير الطاقة.. كان تخفيف اللوائح وازدراء العلوم والتكنولوجيا من بين مهامهم اليومية، بينما قللوا بصورة منهجية من سنوات الخبرة وكوادر الخبراء، في محاولة لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري، وفتح الأراضي الفيدرالية أمام الشركات الخاصة من أجل التنقيب عن النفط، وتقليص الضغوط على قطاع السيارات من أجل زيادة فاعلية السيارات والشاحنات التي تعمل بالوقود التقليدي. وبعبارة أخرى، لن تؤدي مغادرة «برويت» للمنصب إلى وقف الضرر الذي أحلّه بالبيئة في الولايات المتحدة. والعامل السياسي الوحيد الذي يمكنه تغيير الاتجاه الراهن هو تحقيق الديمقراطيين انتصاراً في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب في شهر نوفمبر المقبل. وبالنظر إلى أن مجلس النواب يحظى بصلاحية الموافقة على أوجه الإنفاق الحكومي، فإن كثيراً من مقترحات الإدارة الراهنة الرامية إلى إلغاء التشريعات التي أقرها الرؤساء السابقون، ومن بينهم رؤساء جمهوريون، يمكن إبطاء وتيرتها أو إلغاؤها نهائياً، كما يمكن عقد جلسات استماع علانية لإيضاح مدى الضرر الذي تسبب فيه «برويت» وزملاؤه في وكالة حماية البيئة وبعض الهيئات الفيدرالية الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإنه من العوامل التي ستؤثر على السياسات الأميركية في غضون الأشهر المقبلة، أسعار النفط التي سجلت ارتفاعات خلال الأشهر الأخيرة بسبب نمو الاقتصاد العالمي، واستمرار الاضطرابات في بلدان منتجة ومصدرة للنفط، مثل العراق وليبيا وفنزويلا، والخشية من اندلاع صراع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، على نحو يمكن أن يؤدي إلى مشكلات قصيرة الأجل في مرور الإمدادات النفطية عبر مضيق هرمز. ومن جانب آخر سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة الإنتاج من احتياطيات النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، لكن من جانب آخر، سيشجع ارتفاع أسعار النفط على تطوير بدائل أرخص في إطار الطاقة المتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية والرياح، وحتى الطاقة النووية. وفي الوقت الراهن، يبدو الاقتصاد الأميركي قوياً بدرجة ملحوظة، مع انخفاض في معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية، وفي ظل ازدهار سوق الأسهم.. غير أن انخفاض معدلات البطالة يعني أن مزيداً من المنافسة على العمالة وارتفاعاً حتمياً في الأجور سيؤديان حتماً إلى زيادة معدلات التضخم. وآجلاً أم عاجلاً، سيتعين رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وستواجه قطاعات كثيرة في الاقتصاد الأميركي عقبات بسبب حروب الرسوم الجمركية بين واشنطن وحلفائها والصين، ولن يكون هناك مفرّ من حدوث انكماش في الاقتصاد الأميركي. والمؤشران المهمان للناخبين العاديين هما: البطالة وأسعار البنزين. ولعل الاختيار المفضل للأميركيين هو الشاحنات الكبيرة التي أصبحت تفوق في مبيعاتها السيارات الفارهة التقليدية، لكن استهلاكها للوقود مرتفع وصعود سعر برميل النفط إلى 80 دولاراً سيؤدي بلا شك إلى مزيد من الألم، حتى بين القاعدة المؤيدة للرئيس ترامب نفسه.