ختم الإيرانيون مشاركتهم في مونديال روسيا 2018 على طريقتهم بالعويل والبكاء! وكأنهم خرجوا من الأندلس وفقدوا نعيمها! بينما نسيت جوقة البكاء الذي أثار سخرية المتابعين، أن الحدث لم يكن معركة كرامة، بل كان منافسة كروية عالمية، يفترض أن تسودها الروح الرياضية، والقبول بما تحقق، والاعتراف بالإمكانيات الرياضية الذاتية المتاحة والمتواضعة. في النهاية علينا أن ندرك أن لعبة كرة القدم تدين لتراكم الخبرات وللعناية الفائقة بالتدريب والتمويل وصقل المواهب وصناعة اللاعبين المحترفين. وليست مجرد مغامرة وقفز إلى المستطيل الأخضر، وترقب النتيجة بناءً على الأمنيات والأحلام. لكن يبدو أن الإيرانيين كانوا يعتقدون أنهم يشاركون في معركة عقائدية، من ذلك الصنف الذي يتورطون فيه، حين يقودهم التعصب الأعمى والتمادي والمكابرة إلى الغرق في هزائم متكررة. لذلك لم يستطيعوا التكيف مع أجواء الحدث الكروي العالمي دون أن يضفوا عليه بكاءياتهم المسرحية. ورغم المباراة الأخيرة للمنتخب الإيراني في مواجهة منتخب البرتغال، والتي انتهت بتعادل المنتخبين، فإن مشهد الإيرانيين وهم يغادرون المونديال لم يكن طبيعياً وهم يبكون كالنساء! كان مشهداً مقززاً وغير ملائم، ولم نجد له شبيهاً في كأس العالم! فلا يوجد منتخب يبكي أعضاؤه بسبب الخسارة إلا المنتخب الإيراني. مع أن الخسارة غير الهزيمة والإيرانيون خسروا الاستمرار في المونديال بعد تقديم جهد يتناسب مع حجمهم وسط منتخبات عالمية قوية. ويبقى مشهد البكاء الذي يتكرر من قبل الإيرانيين في مواسم ومناسبات عديدة يثير التساؤلات، لأنه مشهد يستحق الدراسة والتأمل، لمعرفة الخلفية التي تقف وراء رد الفعل العاطفي لديهم وجذوره. فربما يبكون خوفاً من العقاب واللوم الذي ينتظرهم في طهران، لأن الدول العقائدية المتشددة تحاسب من يمثلونها في المحافل والأحداث الدولية، رغم أن الحدث الذي نتحدث عنه كان رياضياً والخسارة فيه تبقى من الاحتمالات الواردة، كما شاهدنا المنتخب الألماني الذي غادر أحداث كأس العالم في هذه الدورة بشكل مفاجئ، لكن الألمان لا يبكون ويعرفون ماذا تعني الرياضة والمنافسة بروح عالية وقبول للنتائج. فهل لرد الفعل الإيراني علاقة بالتربية الدينية التي يندرج البكاء واللطم ضمن طقوسها؟! ورغم تواجد إيران في جغرافيا الشرق الأوسط فإننا لا نكاد نعرف الكثير عن الجذور النفسية والثقافية للإيرانيين الذين يعزلون أنفسهم بالتقوقع خلف الطقوس ورجال الدين، وبخاصة بعد سيطرة الملالي منذ عام 1979 على الحكم وإنهاء عهد الشاه الذي كان يمتاز بالانفتاح. ومنذ ثورة الملالي تم تغييب المجتمع الإيراني، وإحياء ثقافة البكاء واللطم والغرق في الخرافات التي يحتاجها رجال الدين للسيطرة على المجتمع. والغريب أن تمتد ثقافة البكاء والنواح إلى الحقل الرياضي في إيران، وأن يعبر المنتخب الإيراني عن هويته ويعرِّف بنفسه وبلده من خلال البكاء عقب كل مباراة يخرج فيها مهزوماً. لا شك أن المشاهدين على مستوى العالم الذين يتابعون أكبر وأهم حدث رياضي دولي، وهم ينظرون إلى أعضاء المنتخب الإيراني يغادرون الملعب بالبكاء، سوف يتساءلون: لماذا يبكي أولئك اللاعبون الرجال؟ وما هي الثقافة وطبيعة الوعي الذي يدفعهم إلى البكاء بسبب خسارة مباراة تقوم على اللعب المشترك المتكافئ؟! نعود ونؤكد أن البكاء واللطم ثقافة إيرانية لها خلفية دينية عقائدية. والمشهد الإيراني في روسيا يذكرنا بآخر من حكم غرناطة، وهو أب عبدالله الصغير الذي وقف بسفح جبل الريحان بعد أن سلم مفاتيح المدينة، وأثناء نظرته الأخيرة دخل في نوبة من البكاء على ملكه الضائع، فقالت له أمه قولتها الشهيرة: «ابك كالنساءُ على ملك لم تحافظ عليه كالرجال». وليست المرة الأولى التي يبكي فيها الإيرانيون ولن تكون الأخيرة، لأن البكاء عندهم ثقافة متجذرة، ومهما تظاهروا بالقوة سرعان ما يبكون كما تبكي النساء.