في سبعينيات القرن الماضي مرت بالمملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة أحداث جسيمة هددت أمنها العام، سُميت فيما بعد بأحداث «أيلول الأسود» التي حاولت فيها بعض المجموعات المسلحة الفلسطينية استهداف الأردن وتهديد استقرارها، ودارت على إثر ذلك معارك طاحنة، إلا أن العرب وقفوا وقفة جادة مع الأردن الشقيقة، ولم يتخلوا عنها، بل ساندوها حتى تجاوزت المحنة، وفي مقدمتهم المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي قدم الغالي والنفيس لتتعافى الأردن من تلك المحنة وتتجاوزها بما يضمن سلامتها وسلامة شعبها من الفتن والمحن. ومن تلك الحقبة وإلى وقتنا الحالي، مرت أحداث كثيرة على المنطقة ككل، وليس فقط في الأردن وحدها، واستهدفت فيها دول، وسقطت حكومات مثلما وقع في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وغيرها التي راحت ضحية ركوب بعض جماعات العنف والتطرف والإرهاب كـ«الإخوان المفلسين» الموجة، بالعمل على أدلجة الاضطرابات التي إنْ أطاحت تلك الحكومات والدول، وسفكت شلالات الدماء وشردت الملايين من العرب، وكان يمكن لتلك المحن أن تكون أكثر تدميراً وتخريباً لبقية المنطقة، لولا أن بعض الدول العربية الحريصة على أمن واستقرار النظام الإقليمي لم تقف مكتوفة الأيدي، بل عملت بكل جد وجهد على ألا تصل تلك الكوارث المسيّسة والمؤمرات المبيتة إلى بقية شعوب المنطقة، وألا تهدد أمن بلدانها، بالأفكار التخريبية الممنهجة والتنظيمات الإرهابية المؤدلجة التي كانت تسعى لبيع المنطقة العربية ككل في مزاد الدسائس والمؤامرات الإقليمية والدولية، وطمس عروبتها وتفتيت مقومات هويتها وتفكيك لحمة مجتمعاتها. والمملكة الأردنية الهاشمية من ضمن الدول العربية ذات الدور بالغ الأهمية في استقرار النظام الإقليمي العربي، وفِي مواجهة الاحتلال الصهيوني، وأيضاً في صد خطر عنف وتطرف الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ولكل هذا فقد كانت الأردن وما زالت ضمن الدول المستهدفة من قبل دعاة العنف ورعاة التطرف والإرهاب، ولطالما حاولت قناة الجزيرة ومثيلاتها من الأبواق الناعقة والمنصات الناطقة بلسان تنظيم الحمدَين وتنظيم «الإخوان» و«القاعدة»، و«داعش»، الترويج والتحريض على استهداف استقرار الأردن، والتسويق والتسويغ للإرهاب ومحارق «الربيع» المنحوس لكي تقع في براثن الفوضى دولة عربية مهمة أخرى، ويتضرر شعبها وكل الشعوب العربية التي وجدت في الأردن ملاذاً آمناً وملجأ كريماً. وقد كانت الأردن ولا زالت بلد الجميع ومأوى اللاجئين وسند المستضعفين والملاذ الأول للأشقاء قبل محن وفتن «الربيع العربي» وبعده. وقد سجل التاريخ لها أنها كانت أول حاضنة للفلسطينين الذين عانوا ويلات الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث وصل عددهم أكثر من 2.5 مليون، بالإضافة إلى أنها أيضاً كانت الملاذ الأول للعراقيين بعد سقوط بغداد، والأحداث التي مر بها العراق في بداية الألفية الثالثة، وقد وصل عددهم في بداية الأزمة لأكثر من مليون عراقي. وكذلك الحال مع السوريين بعد محنة بلادهم الراهنة فقد وصل عددهم لأكثر من 1.4 مليون سوري في الأردن، التي استضافت كل هؤلاء اللاجئين، وكانت الملاذ الآمن لهم بعد خراب دولهم. وبذلك حق لها حقاً أن تكون بلد «النشامى»، بلداً لجميع العرب، وعوناً لكل من احتاج إليه من الأشقاء بكرم وشهامة. ولأن الأردن أهم بالنسبة للعرب من أن يترك لوحده في مواجهة تحديات المرحلة ودسائس المتآمرين على المنطقة واستقرارها، فقد جاءت فزعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالدعوة إلى قمة رباعية عاجلة بين السعودية والإمارات والكويت والأردن عقدت بمكة المكرمة يوم أمس لتثمر عن كل هذه المبادرات الأخوية والمساعدات السخية، وتؤكد الوقوف بحزم وعزم مع الأشقاء الأردنيين بما يضمن أمنهم واستقرارهم وتقوية اقتصادهم، وتجاوز تحديات اللحظة، وتلبية تطلعات شبابهم في أجواء من الاستقرار هي شرط كل علمية تنمية. وقد أكدت دولة الإمارات وقيادتنا الرشيدة هذا الدعم الأخوي بالأفعال قبل الأقوال، وقد كان موقفها في هذه القمة الوقوف مع الأردن والأردنيين وتقديم كل صور الدعم السخي. وبالنتيجة كان من نتائج هذه القمة الكبيرة مساعدة الأردنيين بكل ما من شأنه الصعود باقتصادهم وبناء دولتهم وضمان رقيها ورفعتها واستقرارها وازدهارها. والمساعدة على نمو الاقتصاد وترسيخ الاستقرار هي الأهم، لأنها هي شرط تحقيق المشروعات التنموية لغاياتها، كما أن تحفيز الاستثمارات يعود بالنفع العام أيضاً على اقتصاد البلد، ويوفر فرص العمل للشباب العاطلين، ويوظف مهاراتهم ويوجه خبراتهم لعمارة وطنهم وتنميته، بدل أن تستغل تطلعاتهم المطلبية قوى الإرهاب وقنوات التخريب التي حرضت وتحرض على العنف والتطرف لا تضمر خيراً لشعوب ودول العرب والمسلمين.