لاشك أن التجربة الإماراتية في تعزيز التسامح، وقبول الآخر تجربة ثرية جداً ومتأصلة في جذورها، وراسخة في أسسها وراقية في منطلقاتها ومخرجاتها، وهذا هو سر تميزها وتقدمها باعتبارها نموذجاً أمثل في المنطقة، ومحل إشادة وتقدير في العالم أجمع. ومنذ قيام الدولة، وإلى يومنا هذا، تعددت صور التواصل بين أبناء هذا الوطن الكريم، وغيرهم من أمم وشعوب العالم الأخرى، وقد كانت حصيلة ذلك التواصل على الدوام إيجابية، وقد تمخضت عن تراكم مشرق ومشرّف لكل ما هو إماراتي في عيون الآخرين. ومثلما تستضيف الدولة أبناء أكثر من مائتي جنسية يلقون فيها كل عناية وكل فرص النجاح وأسباب الحياة الكريمة، ويلمسون عن قرب مدى قبول الآخر ورقي المعاملة، فقد ذهب أيضاً عشرات الآلاف من الإماراتيين الذين تم ابتعاثهم للدراسة في الخارج، وقصدوا دول العالم المختلفة في جميع القارات بحثاً عن المعرفة والعلم، ولم تسجل حالة واحدة لأي منهم في رفض المجتمعات التي درسوا فيها. فقد تعايشوا مع تلك المجتمعات بمختلف الظروف والأعراق والأديان، وذلك دليل على أن المجتمع الإماراتي متسامح بطبعه، وذو موروث حضاري راسخ من القيم الإنسانية الراقية والانفتاح المستنير. وبعد كوارث ما سمي ثورات «الربيع العربي» قال الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان في مقال له، إن «الشباب في الدول العربية عندما شاهدوا نجاح التجربة الإماراتية صاروا يبحثون عن دولة عصرية معتدلة سياسياً، وقادرة على تلبية تطلعاتهم الإنسانية» تكون مثل الإمارات. وهذا فعلاً هو ما يقدمه النموذج الإماراتي للعرب والعالم: قيم التسامح والتعاون والتضامن والإخاء والتنمية والتقدم والرخاء. وكل هذا يستلزم أولاً سيادة قيم السلام والأمان والاستقرار باعتبارها شرطاً للتنمية والتقدم والازدهار. وبطبيعة الحال، فلابد لترسيخ الاستقرار في المنطقة والعالم من وجود استراتيجيات استباقية لمواجهة التطرف والإرهاب ودورهما فكرياً وإعلامياً، وهذه هي أسمى رسالة يمكن للإعلام والتعليم الْيَوْمَ الاضطلاع بها. وفِي هذا المقام، جاءت نظرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الثاقبة بضرورة أن يواجه الفكر المتطرف بالفكر المعتدل، والخطاب المتشدد بالخطاب المتسامح الذي يبث روح التعايش والتسامح والتضامن والتنمية والريادة والسعادة بين كل البشر. وهذه هي أرقى رسالة يمكن للإعلام بشكل عام المساهمة في إنجازها، وهي تقتضي العمل لوضع استراتيجيات من شأنها أن ترسخ فكراً ومحتوى قوياً يجابه المخاطر المحدقة بالمنطقة بفعل قوى الشر والظلام والتطرف والإرهاب، ويفشل مخططاتها الساعية لتفكيك وتفتيت المنطقة، ويبدد مؤامرتها الداعية لترشيخ ظلام التشدد والتعصب والإرهاب. وإلى جانب الإعلام، من الطبيعي أيضاً أن يكون التعليم هو الشريك الاستراتيجي في هذه المهمة السامية، فالمؤسسات التعليمية عليها العبء في تكوين النشء الواعي المتسامح المنفتح مع الآخر. ومن حسن حظنا في دولة الإمارات أن القيادة الرشيدة هيأت كل الظروف، وسنت التشريعات التي تضمن نجاح المؤسسات التعليمية والإعلامية في تحقيق هذه المهمة الجليلة ونشر هذه الرسالة الراقية الجميلة. ففي مقابل خطابات التطرف والتشدد وعدم التسامح، ورفض قبول الآخرين، وإيمان قوى الظلام والإرهاب بالعنف، وعدم الاعتراف بفكرة الدولة الوطنية، ينبغي أن يواجه الإعلام الوطني والتعليم المستنير كل ذلك بخطاب فعال لا يترك أية فرصة لبث السموم الفكرية بالدس والخداع والتغرير. إن الاستراتيجية الإعلامية الاستباقية، وبالأخص المتعلقة بقطاعات النشر، ينبغي أن تكون استراتيجية تفاعلية بحيث يكون القارئ شريكاً أساسياً وحيوياً فيها، وتقتضي أيضاً وجود صحفي واعٍ وقادر على مواكبة تحولات المشهد الإعلامي الجديد، ويمتلك كل الأدوات التي يستطيع من خلالها تقديم المحتوي العصري والمتسامح والجذاب، بوسائل ورسائل إعلامية ذكية غير تقليدية أو وعظية. وقادر أيضاً على أن يتحدث للشباب بمستوى وعيهم وإدراكهم، وهم الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا العربية. إن الإسلام دين معتدل ووسطي، بدليل أنه قَبل طيلة تاريخه الزاهر، وحفظ حقوق الآخرين من كافة الملل وَالنَّحل والأعراف والأعراق، وجاء أصلاً ليتمم مكارم الأخلاق. والثقافة العربية أيضاً لم تكن يوماً ثقافة إقصائية، فقد جاورت بإيجابية عبر العصور ثقافات متعددة تختلف معها في اللسان والعرق واللون والدين والهوية. ونجاح النموذج الإماراتي هو أبلغ تعبير عن مدى انفتاح وتسامح ورقي المجتمعات العربية الإسلامية، عندما تتوافر لها قيادة رشيدة تتحلى بالبصيرة وبعد النظر، وتتبنى خطاباً عقلانياً راقياً يحقق مصلحة الدولة الوطنية، ويرفع أيضاً رأس محيطها العربي، ويعلي من شأن قيمها الإسلامية.