يفصلنا شهران عن انتخابات باكستانية من شبه المؤكد أن يكتنفها جدال بطريقة أو بأخرى. والمثير لقلق باكستان هو أن الاقتصاد يضعف فيما يبدو، في وقت ربما يكون فيه عدم الاستقرار ناجما عن الحياة السياسية المضطربة. وفي ظل الحكومة المنقضية ولايتها- وكان يقودها حتى يوليو الماضي نواز شريف الذي ترأس الحكومة لثلاث فترات- كان الاقتصاد يبلى بلاء حسنا فيما يبدو. والواقع أن هناك طاقة جديدة تشيع وسط المستثمرين الباكستانيين. ففي العام المالي السابق، نما الاقتصاد بنسبة 5.8% وهو أعلى معدل في 13 عاما. لكن هذا سيتغير فيما يبدو. ويخشى اقتصاديون أن النمو سيتباطأ في العام المقبل إلى 5.2% في انخفاض بنقطة مئوية كاملة عن توقعات الحكومة المتفائلة. والمشكلة أن كثيرا من النمو في الماضي القريب لم يكن متوازناً ويعتمد بشكل خاص على الاستثمار من الصين في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو جزء من مبادرة «الطريق والحزام» واسعة النطاق التي دشنها الرئيس الصيني شي جين بينج. ويتوقف النمو الباكستاني أيضاً على الإنفاق الحكومي الذي يوافق أهداف الممر الاقتصادي. وتراهن الصين على أن تمويل بنية باكستان التحتية سيؤتي أكله بطريقة ما، في جانب منه من خلال شراء الهندسة الصينية الثقيلة والمنتجات الأخرى. لكن هذه الواردات ساهمت في تضخم العجز في الحساب الجاري الباكستاني بنسبة 50% ليسجل رقما قياسياً مرتفعاً يزيد على 14 مليار دولار. والبنك المركزي الباكستاني قلص قيمة العملة مرتين لكنه لم يجد أمامه بدا من السحب من احتياط البلاد من العملة الأجنبية. وعلى مدار العام المالي السابق تبخر ثلث احتياطي البلاد. وللحكومة التي توشك ولايتها على الانقضاء حاولت تصحيح المسار قليلاً في ميزانياتها السنوية الشهر الماضي، مما قلص الإنفاق على البنية التحتية بنسبة 20%. وأشار الاقتصاديون إلى أن هذا سيؤثر على تحسن النمو. وفي الوقت نفسه، زادت إنفاقات الحكومة الأخرى فيما يتعلق بالأجور والمعاشات وغيرها بنسبة 20%. وهناك انتخابات ستجري على كل حال. ويتوقع كثير من المحللين أن تضطر باكستان إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في الشهور القليلة المقبلة وخاصة إذا ظل احتياطها النقدي يتراجع بهذه الوتيرة. وذكرت تقارير أنه حتى عمران خان زعيم المعارضة المعادية بضراوة للغرب أقر بأنه سيلجأ إلى صندوق النقد الدولي إذا فاز في الانتخابات. قد يكون للممر الاقتصادي الباكستاني الصيني بعض المزايا لاقتصاد باكستان فهو يساعد في معالجة عجز البلاد المزمن في الطاقة، لكن تكلفنه تثير القلق مما يهدر الاحتياط الأجنبي، ثم تقدم بكين القروض لتغطي المشتريات مما يرفع بشدة ديون باكستان. ويبلغ الدين الباكستاني الخارجي حالياً 91.8 مليار دولار بزيادة بنسبة 50% منذ أن أدى نواز شريف اليمين الدستورية في منصب رئيس الوزراء قبل خمس سنوات تقريباً. وتبلغ نسبة الدين العام إلى الإنتاج المحلي الإجمالي 70%. والحكومة التالية-حتى لو قادها من جديد حزب شريف- عليها أن تدرك أن النموذج الباكستاني الاقتصادي المتعلق بإعطاء الأولوية للصين قد ثبت عدم فاعليته. ومن الغريب للغاية أن تفلس باكستان على يد الصين ثم تلجأ إلى الغرب المتمثل في صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة. والحقيقة أن علاج الاقتصاد الباكستاني واضح لكن تنفيذه صعب على السياسيين. وباكستان تحتاج إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وليس مع دولة الصين فحسب. ولن تستطيع باكستان تغطية تكلفة ما تحتاجه من استثمار ما لم تبدأ في تصدير بضائع أكثر إلى العالم. ونسبة التصدير إلى الإنتاج المحلي الإجمالي حاليا أقل من 10% أي أقل كثيرا من الدول الأخرى في المنطقة. وبرنامج الإصلاح يحتاج إلى إحياء ويتعين العثور على صيغ من التمويل وبناء البنية التحتية لا تترك باكستان معتمدة على التمويل الصيني المكلف. ميهير شارما كاتب متخصص في شؤون الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»