من المتوقع أن يكون لقرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، رغم احتجاجات من الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، تداعيات على الهند. فترامب لم ينسحب من الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 فحسب، لكنه تعهد أيضاً بتصعيد الضغوط على طهران من خلال إعادة فرض عقوبات. فقد كان الاتفاق النووي ينطوي على وقف البرنامج النووي الإيراني في مقابل رفع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. غير أن الهند كانت قد حافظت على علاقاتها مع إيران حتى أثناء الجولة السابقة من العقوبات، رغم الضغوط من واشنطن وحلفائها الأوروبيين. وفي ذلك الوقت، كانت الهند قد أكدت أنها ستسعى وراء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وربما نجحت الهند بصورة ما حتى الآن في موازنة علاقاتها مع العالم العربي والدول الأخرى في غرب آسيا. وفي حين حافظت على علاقات وثيقة مع دول محورية في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والكويت من جانب، أبقت على علاقاتها أيضاً مع إسرائيل وإيران. وقد عزز رئيس الوزراء نارديندرا مودي تفاعله مع دول غرب آسيا، وكرر زيارته إلى المنطقة التي تعتبر ذات أهمية حيوية لأمن الطاقة الهندي، والتي تستضيف أيضاً ملايين الهنود الذين يعملون ويعيشون هناك. وعلى رغم من ذلك، من المتوقع أن يتسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في تعريض الهند لضغوط من أصدقائها لكي تتخذ موقفاً أشد حزماً تجاه إيران على خلفية العقوبات التي تفرضها واشنطن. لكن في حين تدرك الهند المحاولات الإيرانية الرامية إلى زعزعة الاستقرار بتصرفات استفزازية على أسس طائفية، والتدخل في شؤون معظم الدول العربية، إلا أن نيودلهي تلتزم موقفاً متحفظاً لأن لديها أموراً كثيرة على المحك، وخصوصاً مشروع ميناء «شارباهار»» الإيراني. وفي عام 2016، زار «مودي» إيران، ووقع آنذاك صفقة تقوم الهند بموجبها بتشغيل الميناء بهدف إيجاد طريق بديل إلى أفغانستان، مع تفادي الطريق الموجود عبر باكستان، التي رفضت منح أي حقوق عبور للهند على أراضيها. وفي منتصف العام الماضي تم افتتاح المرحلة الأولى من توسعة الميناء، الذي يتم تطويره باستثمارات تناهز مليار دولار أميركي، قبال محافظة «سيستان وبلوشستان» في جنوب شرق إيران. وتستثمر الهند 500 مليون دولار عن طريق تطوير مرفأين في المرحلة الأولى من الميناء يمنحاها طريقاً إلى أفغانستان. وتعتبر الهند مشروع الميناء مهما لمصالحها الاستراتيجية في أفغانستان، ومن ثم، من المتوقع أن تتواصل نيودلهي مع الولايات المتحدة لإعفاء ذلك المشروع من تداعيات أية عقوبات يتم فرضها، لا سيما أنه له أهمية أيضاً لأمن أفغانسان. وتكمن أهمية مشروع الميناء كذلك في أنه سيصبح نقطة اتصال محورية خصوصاً في ضوء مدّ الصين لمبادرتها «طريق واحد حزام واحد». ومن مشاريع الاتصال الأخرى شبكة الطرق والسكك الحديدية والسفن الطويلة التي تمتد إلى 7200 كيلومتر. وذلك المشروع كانت الهند وروسيا وإيران قد تصورته في عام 2000، بهدف تقليص الزمن المستغرق في نقل البضائع بنحو 40 في المئة. وكان من شأنه أن يمكن الهند من الوصول إلى أسواق في أوروبا ويخفض تكاليف نقل البضائع على نحو يعزز الاقتصاد الهندي. لكن في حين أن الهند واصلت الحفاظ على علاقاتها مع إيران أثناء نظام العقوبات السابق، رغم الضغوط من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، إلا أن وارداتها النفطية من إيران كانت قد تراجعت تراجعاً شديداً أثناء تلك العقوبات. ولم ترتفع إلا بعد رفع العقوبات، لتصل التجارة الثنائية بين الهند وإيران أثناء العام المالي 2016 – 2017 إلى زهاء 12.89 مليار دولار، حيث استوردت نيودلهي سلعاً بقيمة 10.5 مليار دولار منها النفط الخام. وفي حين لم يتم الكشف عن نطاق العقوبات الجديدة التي ستفرضها واشنطن، لكن ثمة حالة انعدام يقين بشأن ما ستفعله أوروبا لاحقاً، بينما تستخدم الهند القنوات المصرفية الأوروبية لسداد مقابل وارداتها النفطية، وهو ما يشكل صعوبة كبيرة عند فرض عقوبات. وما لم يتم إغلاق تلك القنوات المصرفية، فمن غير المتوقع أن تتأثر الهند عموماً بالعقوبات. لكن بسبب حالة انعدام اليقين تلك، بدأت أسعار النفط في الصعود، وهو أمر سيؤثر بشدة على الاقتصاد الهندي. فزيادة أسعار النفط تعني أن عجز الميزان الجاري الهندي سيرتفع، وهو ما يؤثر سلباً على الاقتصاد. وليس ثمة شك في أن خطوة ترامب ستكون لها تداعيات طويلة الأمد ليس فقط على إيران، لكن أيضاً على دول غرب آسيا بأسرها. وأما بالنسبة للهند، فمن المؤكد أنه في حين يساورها القلق من تدخل إيران في الشؤون العربية، إلا أنها ستحاول قدر استطاعتها وضع مصلحتها الوطنية في المقدمة، بينما تبقي علاقتها مع إيران التي تواجه العزلة مرة أخرى. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي