من المتوقع إجراء الانتخابات الباكستانية في شهر يوليو أو أغسطس من هذا العام، حيث تدل كل المؤشرات على أنها ستكون معركة صعبة مع محاولة أحزاب سياسية رئيسية الوصول إلى السلطة. ويحاول حزب «حركة العدل»، بزعامة «عمران خان»، لاعب الكريكيت الشهير الذي تحول إلى سياسي، الوصول إلى السلطة ضد حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» الحاكم، بالإضافة إلى حزب الشعب الباكستاني. ويأمل عمران خان في أن يتمكن من تحسين أداء حزبه، حيث نجح في جذب حشود ضخمة وتنمية حزبه، الذي أسسه في عام 1996 بعد أن تقاعد من ممارسة الرياضة. وقد كان «عمران» على هامش السياسة طوال ما يقرب من 20 عاماً، لكنه تمكن الآن من إثبات نفسه كبديل ثالث في السياسة الباكستانية. وعلى مدى العامين الماضيين، كان يلعب على وتر مكافحة الفساد، ويبدو أنه حصل على ثقة الرجل العادي في الشارع الباكستاني بسبب سمعته التي لا تشوبها شائبة كرجل صادق ومخلص وصارم في كلامه. وعلاوة على ذلك، يُنظر إليه أيضاً باعتباره رجل سياسة جاداً وعملياً من قبل الجيش والقضاء، وهما المؤسستان الباكستانيتان الرئيسيتان اللتان تتمتعان بثقة الجماهير. ومن هنا، فقد برز ببطء ولكن بثبات باعتباره المنافس الرئيسي للحزبين السياسيين الرئيسيين اللذين يحكمان باكستان منذ فترة طويلة. لقد كان عمران هو من قدم التماساً ضد «نواز شريف» في قضية أوراق بنما المعروفة، متهماً إياه بتحويل المليارات من الدولارات من أموال الثروة الوطنية خارج البلاد. وتعرض «شريف»، الذي تولى رئاسة وزراء البلاد ثلاث مرات، لضغط هائل بسبب عدد من القضايا ضده، وفي النهاية قررت المحكمة العليا في باكستان أنه غير مؤهل لتولي منصب رئيس وزراء البلاد، ولم يكن أمامه خيار سوى الاستقالة من منصبه. وفي حكم آخر في قضية أخرى، منعت المحكمة العليا «شريف» من تولي رئاسة أي حزب سياسي. وعلى الرغم من أن حزب نواز شريف لا يزال في السلطة، فإن أحكام أعلى محكمة في البلاد قللت من فرصه وفرص حزبه للفوز في الانتخابات العامة المقبلة. ومع ذلك، فهو يلعب على ورقة الضحية السياسية، قائلاً إنه مستهدف من قبل الجيش والقضاء. ويتمثل الاختبار الرئيسي لمن سيفوز ويشكل الحكومة القادمة في تناول العلاقات مع المؤسسة العسكرية التي ما زالت تتمتع بالقوة في باكستان، وتتخذ القرارات السياسة في القضايا الرئيسية. ومن المنتظر أن تحدد الانتخابات، ليس فقط السياسة الداخلية فحسب، بل أيضاً اتجاه السياسة الخارجية. في الفترة التي سبقت الانتخابات، كانت باكستان تحدث جلبة تصالحية تجاه الهند التي أشارت بدورها إلى أنها ستبقي على خيار بدء المحادثات مفتوحاً، فيما تتجه باكستان إلى إجراء الانتخابات. وقد توقف تقريباً إطلاق النار المتقطع على «خط المراقبة»، الذي يعد الحدود الفعلية بين البلدين، ووافقت الهند على إحياء عملية دبلوماسية المسار الثاني مع باكستان، والتي تعد أول اتصال بين البلدين في بضع سنوات. وتضم مبادرة المسار الثاني دبلوماسيين هنوداً سابقين، ومحاربين قدماء عسكريين وأكاديميين. وكان الوفد الهندي الذي ذهب إلى باكستان قبل عشرة أيام برئاسة دبلوماسي سابق وخبير في الشؤون الباكستانية، في حين ترأس الجانب الباكستاني وزير خارجية البلاد السابق. وقد أعقبت ذلك بادرة أخرى من الجيش الباكستاني في علامة على ذوبان الجليد في العلاقات، حيث وجه قائد الجيش الباكستاني، الجنرال «قمر جاويد باجوا»، الدعوة للملحق العسكري الهندي لحضور العرض العسكري الذي أقيم في إسلام آباد بمناسبة يوم باكستان (الاحتفال بذكرى الاستقلال). وينظر إلى هذا أيضاً كخطوة كانت لدى البلدين للانخراط مع بعضهما البعض. وقد وافقت الدولتان أيضاً على المشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة في روسيا في شهر سبتمبر المقبل، بمشاركة الصين. هذه التطورات هي دلالة واضحة على أن الجانبين قد قررا استكشاف خيار استئناف الحوار واختبار المياه لمثل هذا الاحتمال. كما ستحرص نيودلهي على إقامة روابط مع الحكومة القادمة في إسلام آباد، فيما تتجه الهند إلى إجراء الانتخابات العامة في 2019، حيث سيبذل حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم، برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قصارى جهده للعودة إلى السلطة. ومن هنا، فإن الهند لا ترغب في أي اندلاع للأعمال العدائية مع باكستان في هذا الوقت الحرج. وهناك هدوء واضح في الاتهامات الهندية للجيش الباكستاني بمساعدة الإرهابيين على التسلل إلى الجانب الهندي من كشمير عبر باكستان. لكن الهند ما زالت تواصل السعي لاتخاذ إجراءات من جانب باكستان بشأن إحراز تقدم في محاكمة هؤلاء المتهمين بارتكاب هجمات مومباي الإرهابية في عام 2008، والتي أسفرت عن مقتل 166 شخصاً. وفي حين أن الهند لا يزال لديها هذه الخطوط الحمراء، من الواضح أنها تحاول الآن العمل مع باكستان. ومن المهم بالنسبة للهند وباكستان إقامة علاقة عمل لضمان عدم تصاعد الأعمال العدائية بين الجانبين. وليس ثمة شك في أن الهند ستراقب بحرص نتائج الانتخابات العامة الباكستانية، لكي تقرر مسار العلاقات الثنائية في المستقبل.