كان 2017 هو أسوأ عام في العلاقات الثنائية بين الهند والصين؛ بسبب الخلاف الحدودي على التقاطع الثلاثي بين الهند والصين وبوتان. فهذه المنطقة تطالب بها بوتان المدعومة من الهند. ولكن يبدو أن الدولتين قد نحّتا جانباً هذا الخلاف الحدودي من خلال دفع العلاقات عقب اجتماع القمة غير الرسمي بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني هذا الأسبوع. فقد عقد الزعيمان ستة اجتماعات على مدار يومين، وتمكنا من التوصل إلى فهم أفضل لوجهات نظر ومواقف بعضهما البعض. وأبدى الجانبان رغبتهما في ضمان إبقاء العلاقات في الجانب الإيجابي بين البلدين. وكان رئيس الوزراء «مودي» قد سافر إلى مدينة «ووهان» في وسط الصين للاجتماع بالرئيس «شي جينبينج» في قمة غير رسمية، ما يعني أنه لم تكن هناك اتفاقات تم التفاوض عليها مسبقاً أو بيان رسمي إلزامي. لقد كانت مناقشة حرة، حيث لم يخض الزعيمان في التفاصيل، بل ناقشا كافة القضايا بين البلدين. وكان الجانب الهندي يحدوه الأمل في تأسيس اتصال أكثر وضوحاً مع الصين على أعلى المستويات من أجل إدارة أفضل لنقاط التوتر. ومن الجدير بالذكر أن الهند والصين لديهما قضايا قديمة على حدود تمتد بطول 4000 كم، والتي تم ترسيمها بشكل سيئ في أجزاء كثيرة. هذا الخلاف الحدودي يندلع من آن لآخر، ولا يزال هو المصدر الرئيسي للتوتر في العلاقات، حتى على الرغم من نجاح البلدين في تنمية العلاقات التجارية بينهما. وقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 84.4 مليار دولار، حتى على الرغم من وجود عجز تجاري ضخم بالنسبة للهند. ومع ذلك، فقد شهد العام الماضي واحدة من أسوأ الأزمات في الآونة الأخيرة على هضبة «دوكلام»، وهي منطقة متنازع عليها تقع بين بوتان والصين، لكنها ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للهند. وقد منعت القوات الهندية الصينيين من بناء طريق في منطقة قريبة من ممر في الهند يطلق عليه «عنق الدجاجة»، لأنه امتداد ضيق للأرض التي تربط سبع ولايات في شمال شرق الهند بالبر الرئيسي. وتم حل النزاع بعد 74 يوماً، لكنه تسبب في تراجع العلاقات بين الهند والصين، حيث واصلت الدولتان بناء قواتهما في المنطقة. وتتمثل النتيجة الكبيرة لاجتماع هذا الأسبوع في الاتفاق على تحسين الاتصالات بين جيشي البلدين من أجل الحفاظ على السلام على الحدود. ووافق الرئيس «شي جينبينج»، الذي لم يسبق له أن قابل أي زعيم أجنبي خارج بكين، على أن البلدين من النضج والحكمة للتعامل مع جميع خلافاتهما بطريقة سلمية من خلال المحادثات. ومن الممكن وصف هذا على أنه بداية لنوع جديد من الترتيبات الدبلوماسية بين البلدين حيث يجد الزعيمان طرقاً جديدة للتواصل، مما يدل على وجود اتصال استراتيجي أكبر على مستوى القيادة وقرار بتحسين الآليات القائمة بين البلدين. والقضية الرئيسية الأخرى هي أن الزعيمين «أكدا على أهمية الحفاظ على السلام والهدوء» في جميع المناطق على الحدود الهندية -الصينية وقررا إعطاء «توجيه استراتيجي» لجيوشهما لتعزيز الاتصالات وبناء الثقة. ومن المؤكد أن هذه القمة غير الرسمية قد حطمت الجليد بين الدولتين اللتين لديهما العديد من مناطق التباعد. وتشمل المخاوف الهندية العجز التجاري المتنامي، والذي بلغ 51 مليار دولار في عام 2016-2017. ومن ناحية أخرى، فإن الوجود الصيني المتنامي في جوار الهند، بما في ذلك مشروعات البنية التحتية الكبيرة في باكستان ونيبال وسريلانكا والمالديف وأيضاً في المحيط الهندي، يمثل عاملاً مثيراً للقلق بالنسبة للهند. كما أن الصين تمنع دخول الهند إلى مجموعة موردي المواد النووية وتساعد باكستان من خلال عرقلة الجهود الهندية في الأمم المتحدة لإعلان «مسعود أظهر»، وهو مواطن باكستاني، شخصية إرهابية. ويقارن الكثيرون في الهند زيارة «مودي»، الذي حاد كثيراً عن البروتوكول الثابت، مثل زيارته المفاجئة إلى باكستان في عام 2015، مع زيارة رئيس الوزراء في ذلك الوقت «راجيف غاندي» في عام 1988. وقد كانت زيارة 1988 هي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي في أكثر من ثلاثة عقود إلى الصين، حيث أعادت هذه الزيارة ضبط العلاقات الهندية –الصينية مع اتفاق كلا الجانبين على عدم السماح للخلاف الحدودي بالتأثير على المجالات الأخرى من العلاقة. ولكن هذه المرة، كانت الخلافات بين الجانبين واضحة حتى قبل القمة غير الرسمية، مع امتناع الهند عن تعزيز مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» خلال اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون. كما رفضت الهند دعم المبادرة الصينية لأنها تضم «الممر الاقتصادي الصيني –الباكستاني»، وهو مشروع بنية تحتية تتم إقامته في باكستان بتكلفة تبلغ عدة مليارات من الدولارات، والذي تقول الهند إنه يمر عبر كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان. ورغم ذلك، هناك مجالات للتقارب أيضاً مثل التغير المناخي، حيث تمثل الهند والصين مصالح الدول النامية، وأيضاً في أفكار عالم متعدد الأقطاب. غير أن هذه القمة جاءت في وقت تتعرض فيه الصين للضغط عقب قيام الولايات المتحدة بإثارة حرب تجارية. ومن ثم، ليس هناك شك في أن القمة ستساعد في تحسين العلاقات بين الهند والصين. د.ذِكْرُ الرحمن* ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ *رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي