عقدت في الظهران إحدى مدن المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، قمة عربية أطلق عليها«قمة القدس»، ولهذه القمة أهمية كبرى من حيث عقدها في المملكة العربية السعودية التي تتصدر في هذه المرحلة العديد من المواقف القيادية التي تشهد فيها المنطقة العربية وجوارها الجغرافي مشاكل معقدة تحتاج إلى حلول جذرية ناجعة أهمها، ملفات سوريا وفلسطين والإرهاب وليبيا والعراق، بالإضافة إلى ملف العلاقات العربية - الإيرانية الشائك، وملف تسلح إيران النووي، والعديد من الملفات الخطيرة. «قمة القدس» تؤكد أنه على ضوء الظروف المحيطة بالعالم العربي، من مصلحة الدول العربية السعي إلى المزيد من التعاون الإيجابي في ما بينها، خاصة بالنسبة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وتركيا من جانب والعلاقات البينية والجماعية في ما بينها ذاتها كدول تربطها ببعضها بعضاً العديد من المصالح الحيوية الجوهرية التي تحتاج إلى مناهج جديدة، وإلى مصداقية وواقعية عملية لتحقيقها. النتائج التي توصل إليها المؤتمرون نشرت والمسائل التي ناقشوها صارت معروفة، لكن جوهر العلاقات بين الدول العربية ذاتها لم يطرأ عليها جديد، رغم أن أطر العمل الخاصة بالتعاون الإقليمي بين الدول العربية من المفروض له أن يرتقي إلى مستويات أعلى من تحقيق التعاون والعمل في صالح أمن واستقرار الدول العربية وشعوبها. ويعود السبب في ذلك، إلى أنه لا توجد مشاكل حقيقية بين الدول العربية ذاتها سوى الاختلاف في وجهات النظر التي يمكن تجاوزها، فكما يقول العرب ذاتهم «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية». وما نراه على السطح، هو أنه لا توجد اختلافات على الصعيد التكويني للدول العربية، بمعنى أنه لا توجد اختلافات إقليمية عميقة تتعلق بأسس النظرة الأيديولوجية، وبالتراث السياسي وبالممارسات الدينية وبالاختلافات اللغوية، علاوة على عدم مواجهة الدول العربية لمشاكل حقيقية تتعلق بالتعددية الاثنية في داخل مجتمع كل دولة عربية على حدة، رغم ما استطاعت أن تلعب على وتره إيران في ما يتعلق بإثارة النعرات الطائفية البغيضة في داخل بعض الدول العربية. وبانعقاد قمة القدس في الظهران، تكون الدول العربية قد قطعت مسيرة وشوطاً طويلاً، خاصة في فترة شهد خلالها العالم العربي تطورات خطيرة حيال العديد من القضايا السياسية المهمة في سوريا والعراق وملف الإرهاب وليبيا والتمدد الإيراني في العالم العربي. وهذه أمور تعد ذات أهمية يتوجب على الدول العربية أن تستعيد دورها الغائب والمسلوب فيها لكي تستطيع تغيير صورتها المتعارف عليها بأنها سلبية تجاهها إلى صورة جديدة ذات طبيعة سياسية وأمنية أوضح وأكثر صلابة. على ضوء القرارات التي تمخضت عن اجتماعات القمة ذاتها، والبيان الختامي الذي نشر بعد انتهاء الاجتماعات، ربما أن المرء يتوجب عليه الشعور بشيء من التفاؤل حيال المستقبل، فالدول العربية تعتقد بأن الطبيعة الحالية المتغيرة للسياسات الدولية في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي تحتاج إلى البحث عن مناهج ومقولات جديدة وبنى تنظيمية جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي بين الدول العربية وبعضها بعضاً، وبينها وبين دول الإقليم من جانب، تحديداً إيران وتركيا، وبينها وبين الدول العظمى والكبرى ودول العالم الأخرى كافة من جانب آخر. ويقودنا ذلك إلى القول، بأنه لا بد وأن تجري محاولات جادة لتطوير البنى التنظيمية لكيفية إدارة مثل تلك العلاقات من خلال أدوات ومؤسسات تعاون إقليمي جديدة، فمن المعلوم بأن التعاون الإقليمي والدولي الذي ينشأ كظواهر سياسية جديدة في أي منطقة يحتاج إلى أجهزة إدارية فعّالة تصدر التوجيهات وتجمع المعلومات والأدلة على صحة تلك المعلومات، وتقوم بالبحث السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وترسم السياسات، وترعى شؤون العلاقات العامة لأعضائه. كنا نتمنى أن يصدر شيء من هذا القبيل عن قمة الظهران، لكن يبدو بأن مراجعة تركيبة منظومة العلاقات العربية الحالية لم تحن بعد. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي