سافرت خلال الأسبوع الجاري إلى «ديربورن» بولاية ميتشيجان للمشاركة في النسخة الخامسة عشرة من المؤتمر السنوي «تنوّع الصور والمفاهيم». وركزت في كلمتي على التحديات التي نواجهها في الوقت الراهن. فقد أُطلق العنان للقوى الظلامية في مجتمعنا على نحو يهدد جوهر أميركا الذي حاربنا من أجل ترسيخه، ولا بد أن نحارب الآن من أجل حمايته. وقبل مناقشة هذه المسألة، أريد أن أسلط الضوء على مدى أهمية حشد قيادة الجالية العربية في أميركا لهذا الجمع من المسؤولين المنتخبين ومسؤولي إنفاذ القانون والمؤسسات التعليمية ووكالات الخدمات الاجتماعية ولفيف من المنظمات العرقية والدينية. وقبل 33 عاماً، أتذكر زيارتي إلى «ديربورن» في ظل ظروف مختلفة تماماً للتحدث أمام الجالية الأميركية من أصول عربية التي كانت آنذاك مستضعفة ومصدومة، بعد أن أرسل مرشح بارز لمنصب العمدة رسائل بريدية إلى جميع سكان المدينة عنوانها البارز يحمل صرخة «حول مشكلة العرب». واستطردت الرسالة في شجب التدفق الهائل للمهاجرين العرب، الذين كانوا يُشكلون في تلك المرحلة زهاء 20 في المئة من سكان «ديربورن»، زاعمة أن أولئك الأجانب «يخربون طريقة حياتنا الجيدة». وقد شعرت الجالية بالأذى والقلق. وعندما تحدثت إليهم في تلك المناسبة، حاولت رفع روحهم المعنوية بإخبارهم أنهم «ليسوا مشكلة ديربورن، وإنما مستقبلها الواعد». ومثل كثير من الجاليات العربية في أميركا قبلهم، كافح سكان «ديربورن» وأسسوا شركاتهم وعلموا أبناءهم وأرسوا دعائم مؤسساتهم، وأصبحوا منخرطين في الحياة السياسية والاجتماعية في مدينتهم. وفي هذه الأثناء، نجحوا حقيقة في أن يكونوا مستقبل «ديربورن» الواعد. واليوم، رئيس مجلس المدينة وأغلبية أعضاء المجلس من الأميركيين العرب، ومنهم أيضاً نواب عن الولاية وعدد من القضاة المحليين. وإضافة إلى ذلك، يعمل أعضاء جاليتنا في أدوار قيادية في أجهزة إنفاذ القانون وسلسلة من المؤسسات التعليمية والمدنية. وفي ثلاثة عقود فقط، شق أفراد الجالية العربية في «ديربورن» طريقهم من هامش المجتمع إلى قلبه النابض. لكنهم لم ينسوا من أين جاؤوا ولا التمييز الذي تحمّلوه، وهنا تكمن الأهمية. لذا، في كل عام يحشدون سنوياً هذا المؤتمر المهم، وهم الآن في وضع يمكنهم من تولي زمام القيادة في تعزيز قيم التنوع والاندماج. وهذه القضية بالتحديد المتمثلة في ضرورة تعزيز هذه القيم، كانت موضوع كلمتي أمام المؤتمر. وهي قضية ملحة لأنني أعتقد أن أميركا باتت في مفترق طرق خطير، على نحو يجعل جوهر الدولة الأميركية على المحك. غير أن هذا ليس كفاحاً جديداً، فمنذ البداية كانت هناك فكرتان متنافستان لأميركا. فمن جانب، كانت هناك رؤية بعض الآباء المؤسسين الرامية إلى إنشاء مجتمع منفتح ومتسامح وشامل، ليجد فيه الجميع الحرية والفرص. لكنهم قوبلوا بقوى ظلامية مدفوعة بالتعصب و«الآثام الأصلية» للعبودية والإبادة الجماعية واحتلال الأراضي والتطهير العرقي. ورغم الهيمنة المبكرة لقوى التعصب الظلامية، لكن على مر التاريخ كان هناك دوماً من يكافحون لتأكيد الفكرة الأكثر شمولية لأميركا. ولا يقتصر الأمر على الأميركيين من أصول أفريقية أو لاتينية أو السكان الأصليين فحسب، لكن هناك أيضاً جاليات متنوعة من المهاجرين الذين جاؤوا وعانوا من التمييز والإقصاء، ومنهم آسيويون وأيرلنديون وإيطاليون وأوروبيون شرقيون وعرب. وعلى رغم من الجهود المتكررة لإغلاق الأبواب أمام العرقيات المختلفة، ظلت أميركا دوماً مجتمعاً منفتحاً ومرحباً. وقد شقّ المهاجرون طريقهم بين أفراد المجتمع، وأصبحوا أميركيين، فغيّروا المعنى الذي ترمز إليه أميركا. فماذا كانت ستصبح أميركا اليوم لولا مساهمات كثير من الناس الذين عاشوا على هذه الأرض؟ وكيف كانت ستصبح الأطعمة والموسيقا والفنون والملابس والفكاهة في أميركا لولا مساهمات ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية والسكان الأصليين وموجات المهاجرين؟ وعلى رغم ذلك، لم ينته ذلك الكفاح أبداً لأن جذور التعصب عميقة، ودائماً ما تنبت لتطل برؤوسها. ولا يمكن أن ننسى ذلك الواقع. فلو أننا فكرنا فقط في أميركا المنفتحة والمرحبة، فيمكن أن نقع بسهولة فريسة لدعاة التعصب. لكن علينا أن نتذكر أيضاً أن في تاريخنا وزمننا المعاصر فاز أيضاً أفضل ما فينا. واليوم نواجه ظهوراً آخر لذلك الكفاح الذي يحدد الفكرة الأميركية. وبزغت من جديد قوى الظلام تنفث نيران التعصب والخوف. ولا شك في أن هذا التسميم لثقافتنا سيكون له تأثير في أنحاء مجتمعنا. فمسارنا الإعلامي أصبح قاسياً، وتنهض جرائم الكراهية من جديد، ونرى الآن الأطفال يقلدون تلك السلوكيات في مدارسنا ومجتمعاتنا. لذا، علينا أن نقاوم التعصب، وقد فعلنا ذلك على مدار قرون، فلا بد أن نقول: «لا، ليس هذا ما نرنو إليه، وليست هذه الفكرة الأميركية التي حاربنا من أجلها». وعلينا أن نواجه ذلك في منازلنا ومدارسنا وكنائسنا ومعابدنا ومساجدنا.