عانت الهند، التي كانت حتى عام 2015 أسرع اقتصادات العالم، تراجعاً كبيراً عندما فاجأت الحكومة، التي كانت حديثة التشكيل في ذلك الوقت، رجال الاقتصاد في العالم بإلغاء بعض فئات النقد الكبيرة. وبدأت الدولة في التعافي ببطء من هذه الصدمة المفاجئة، وهي الآن تتطلع إلى تعزيز بنيتها التحتية من خلال بناء طرق تمتد بطول 83 ألف كم، و50 مليون منزل بأسعار معقولة في غضون خمس سنوات. وتعد هذه الدفعة في قطاع البنية التحتية جزءاً من الجهود الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي في دولة لم تصل المزايا الاقتصادية فيها إلى أفقر المواطنين. وتتطلع الهيئة القومية للطرق السريعة في الهند إلى بناء وتحديث 34 ألف كم من الطرق السريعة بحلول عام 2022 في إطار جهود الحكومة لدفع البنية التحتية. وهذا جزء من مشروع «عقد الهند» الطموح الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الهندي في العام الماضي، وذلك بهدف تحسين البنية التحتية السيئة للطرق – من طرق حدودية إلى طرق تربط المدن المحرومة والبلدات النائية. وبشكل منفصل، يتم بناء 48877 كم من الطرق في الدولة التي تمتلك ثالث أكبر شبكة طرق في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، بيد أن هذه الطرق متصلة بشكل سيئ بالمقاطعات والبلدات والقرى. يعد تطوير البنية التحتية أحد مجالات التركيز الرئيسية التي أعلنتها حكومة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» لتعزيز النمو الاقتصادي، ورفعه إلى معدلات تتراوح بين 6.5 -7 في المئة بحلول العام المقبل. وبلغت المبالغ المخصصة لتطوير البنية التحتية في الموازنة الفيدرالية السنوية هذا العام- والتي تشمل بناء وتطوير الطرق والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والمجاري المائية الداخلية -5.79 تريليون روبية، مقابل 4.94 تريليون روبية في العام الماضي. ومن المتوقع أن تشهد الدولة أنشطة بناء كثيفة في مجالات مثل السكك الحديدية وغيرها من قطاعات البنية التحتية الحضرية، جنباً إلى جنب مع بناء مدن ذكية. وفي شهر أبريل من العام الماضي، افتتحت الحكومة أطول نفق للطرق في البلاد لربط وادي كشمير الذي تمزقه الاضطرابات بسهول جامو الجنوبية. وفي شهر مايو من العام الماضي، بدأ العمل في بناء أطول جسر في الهند، والذي يمتد على مسافة 9.3 كيلو متر ويربط ولايات «آسام» و«آروناشال باراديش» الشمالية الشرقية. كما يجري تحديث عدد من المطارات، مثل «كوتاشين» الذي أصبح أول مطار في البلاد يعمل بالطاقة الشمسية. هذا إلى جانب بناء خطوط سكك حديدية للمترو بما في مدينة حيدر آباد الجنوبية، التي تخطط لتشييد أطول شبكة سكك حديدية معلقة في العالم. وتم التخطيط أيضاً لبناء ستة موانئ جديدة، بينما يتم تحديث شبكات السكك الحديدية. وتحاول الحكومة التسريع من وتيرة العمل لتزويد الاقتصاد بالطاقة، حيث يتسنى له النمو بنسبة 7 في المئة بحلول العام المقبل. وحيث إن بناء طرق أفضل يعد المفتاح لدفع الاقتصاد، فقد زادت المخصصات المتاحة للطرق والسكك الحديدية في الموازنة الفيدرالية لهذا العام. ورغم ذلك، فإن هذه الدفعة في مجال البنية التحتية تأتي مع مجموعة من التحديات، أهمها الالتزام بالمواعيد النهائية. كما سيتعين على الحكومة تعزيز بناء الطرق بما يقرب من أربعة أضعاف المعدل الحالي ليكون لها تأثير. ولا يزال أكبر التحديات في هذا الاتجاه يتمثل في الاستحواذ على الأراضي- الذي أوقف عدة مشروعات- بسبب حيازات الأراضي المتفرقة وعدم وجود سندات ملكية واضحة للأراضي، إلى جانب مشاكل أخرى. أما التحديات الأخرى، فتشمل غياب القوى العاملة الماهرة وكذلك التمويل. وعلى العكس من الطفرة السابقة التي شهدها عام 2006، عندما كان رأس المال الخاص متاحاً بسهولة، وكان اللاعبون في القطاع الخاص لديهم المال، فقد تغير الوضع هذه المرة بشكل كبير. في الهند، ازداد التركيز في العقدين الأخيرين فقط على تحسين الطرق المليئة بالحفر والبني التحتية للسكك الحديدية المتداعية. وأصبح لدى نيودلهي الآن شبكة مترو قوية، ويجري تحديث المطارات في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من كل هذا، ليس ثمة شك في أنه يتعين على الحكومة مواجهة مجموعة من التحديات لتعزيز البنية التحتية في البلاد. وفي العام الماضي، كانت الحكومة تبني 22 كيلو متراً من الطرق يومياً، ولم تستطع أن تلبي الهدف الفعلي وهو بناء 40 كيلو متراً يومياً. وهناك مجال آخر تركز عليه الحكومة وهو بناء وحدات سكنية ميسورة، والذي من المتوقع أن يشهد نشاطاً هائلاً في مجال البناء مع إعلان رئيس الوزراء «مودي» في عام 2015 برنامج «الإسكان للجميع»، والذي يستهدف بناء 20 مليون منزل حضري و30 مليون منزل ريفي بحلول عام 2022. وبالتالي، ليس ثمة شك في أنه في حين أن أهداف الحكومة طموحة للغاية، لكنها بحاجة إلى التغلب على العقبات وإلا ستظل هذه الأهداف مجرد إعلانات دون تحقيق نتائج إيجابية. إن برامج البنية التحتية هذه تشتد الحاجة إليها في الهند لإخراج الشعب من نطاق الفقر ودفع معدلات النمو. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي