بعد تعرض «فيسبوك» لموجة من الانتقادات العامة بسبب تهاونها في حماية خصوصية المستخدم، أصبح من الواضح بشكل أكبر مدى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي. والحقبة التي كان الناس يتفاعلون خلالها في الأساس عبر الاجتماع في مكان مادي أو يحافظون على شبكات شخصية من الاتصال بين شخص وآخر تقترب من نهايتها. والجيل التالي لن يفهم حقا كيف كانت تبدو عليه هذه الحقبة. فقد غيرت مواقع التواصل الاجتماعي معنى الحياة البشرية نفسها. وحققت أيضا الكثير من الأموال وأصبح المستثمرون يقدرون شركات مثل "فيسبوك" و"سناب" و"تويتر" بمليارات الدولارات في تقييم السوق. بل هناك من يقول إن القيمة الاقتصادية الحقيقية التي خلقتها هذه الشركات أكبر بكثير مما تشير إليه أرباحها، أو أرباحها المستقبلية المحتملة، كما في حالة موقع "سناب"، واستخدام الخدمات، في جانب كبير منه، مجانيا. لكن مع الأخذ في الاعتبار الوقت الكبير الذي ينفقه الناس في استخدامها، فمن الجائز أن يكونوا مستعدين لدفع الكثير من المال كي يستمتعوا بمواقع التواصل الاجتماعي. لكن كثيرين من بيننا ممن عاصروا التحول من الإنترنت في بداياته إلى العصر الجديد لوسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكنهم إلا الشعور بقلق، فإلى جانب المخاطر التي تحيط بالخصوصية، والتأثير على الانتخابات وعمليات النصب عبر الإنترنت، تشارك مواقع التواصل الاجتماعي المخدرات فيما يبدو في كثير من صفاتها. والأبحاث ليست حاسمة بشأن حقيقة إدمان مواقع التواصل الاجتماعي. لكن من المؤكد أن له بعض الجوانب السلبية التي تشبه بصفة عامة تعاطي المخدرات. ففي عام 2011، ذكرت ورقة بحثية في علم النفس أن «الارتباطات السلبيية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن تقلصا في المشاركة في الحياة الاجتماعية في المجتمع الواقعي وفي الانجاز الأكاديمي وأيضا تتسبب في مشكلات في العلاقات وكل منها قد يدل على إدمان محتمل». وتوصل عدد من الدراسات الأحدث إلى أن الحرمان من الهواتف الذكية يؤدي إلى القلق وسط الشباب وهي ظاهرة لها بالتأكيد نظير عند التوقف عن تعاطي المخدرات. وهذا لا يعني بالتأكيد أن كل شخص يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مدمن. والأدلة تشير إلى أن الاستخدام المعتدل ليس ضارا. وهذا يصدقه تجربتي الخاصة، فأنا استمتع بفيسبوك الذي استخدمه باعتدال لكنني أشعر بالقلق والتوتر من تويتر الذي استخدمه بشكل أكبر بكثير. والمستخدمون الأكثر إفراطا في الاستخدام ربما هم الأكثر تعرضا للخطر. واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تصاعد بلا كلل على امتداد العالم. وبينما يقدم الإنترنت مهربا من العالم الواقعي أصبح العالم الواقعي الآن مهربا مطلوبا للغاية من الإنترنت. ويجدر التأكيد على أن مجرد أن منتج ما يضر ببعض الناس لا يعني أنه سيئ لكل المجتمع. فالسيارات تقتل عشرات الآلاف كل عام في الولايات المتحدة وحدها وهي تشكل بالتأكيد تهديدا أكبر بكثير من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي. لكن لا أحد يفكر في حظر الانتقال بالسيارات لأن فوائدها لاقتصادنا وحياتنا الاجتماعية كبيرة للغاية. وهناك من يرى أن الإدمان ناتج عن قصر النظر. فالناس يعتقدون في المدى القصير بغير وجه الصواب أنهم قادرون على ممارسة ضبط النفس والتوقف عن استخدام مادة الإدمان في المستقبل. لكن حين يصبح الإدمان أقوى من القدرة على الإقلاع عنه، قد يجدون أنفسهم قد وقعوا في شرك موقف ما كان لهم أن يختاروه قط لو أنهم علموا ما هم مقدمون عليه. وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر فعليا على كثير من المستخدمين بطريقة تشبه بصفة عامة السجائر أو الهيرويين، فهذا يعني أن الفوائد أقل من رغبة الناس في الدفع مقابلها. ومن الواضح أن هناك حاجة لمزيد من الأبحاث قبل أن نتوصل إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل التبغ. وحتى إذا كانت كذلك، يتعين أن يكون الضرر كبيرا للغاية كي نصل إلى سياسة حكومية لتقييد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا غير مرجح. لكن حتى لو كانت مواقع التواصل الاجتماعي تستحق التكلفة فإنها مازالت تعني أن كثيرا من موارد المجتمع من رأسمال الاستثمار ووقت وجهد أكثر العاملين ذكاء قد وضعت لإنتاج مخدرات أكثر امتاعا تجعل السكان مدمنين. وهذه فكرة تثير القلق. وبينما أعلن كارل ماركس أن الدين هو أفيون الشعوب فان رأسماليينا المحدثين ربما ابتكروا أفيوناً أفضل. *أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»