عندما نطالع أهم قرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي صدرت يوم الاثنين الماضي نتصور للوهلة الأولى أن القضية الفلسطينية تشهد تراجعا عن مسار التفاوض السلمي وتدخل مرحلة مختلفة من العمل في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، لكن سرعان ما نكتشف غير ذلك. فإذا ما نظرنا إلى تلك التوصيات أو القرارات في سياق الإرادة السياسية وفي إطار قدرات السلطة الفلسطينية على التنفيذ، فسندرك ما أدركه المحللون الإسرائيليون، وكذلك «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية» والجبهة الديمقراطية» من تفاوت بين النصوص النظرية للقرارات وبين احتمالات التنفيذ على أرض الواقع. وعلى سبيل المثال علقت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بعد ساعات من صدور القرارات بقولها إن هذه القرارات غير واضحة وغير معلوم ما إذا كانت ستنفذ أم لا وبخاصة قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، بدليل أن المجلس المركزي كان قد أصدر قراراً في عام 2015 بوقف هذا التنسيق، غير أن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس لم تضعه موضع التنفيذ حتى اليوم رغم مرور ثلاث سنوات. أما القرار المتعلق بتعليق اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل إلى أن تعترف الأخيرة بدولة فلسطين وتلغى قانون ضم القدس، فقد علقت عليه «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بالقول إن قرارات المجلس المركزي لا ترتقى إلى مستوى المجابهة المطلوبة أمام مخاطر التصفية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، مؤكدةً أن الواقع والمخاطر تتطلب مواقف حاسمة من سحب الاعتراف بإسرائيل وليس تعليق العلاقة معها. كذلك فإنه فيما يتعلق بالقرار الخاص باتفاق أوسلو والذي يقول: «اعتبار التزامات المرحلة الانتقالية للسلطة الناجمة عن اتفاق أوسلو والاتفاقيات التي تلته لم تعد قائمة»، فقد أوضح تعليق «الجبهة الشعبية» أن صياغته تترك الأمر عائماً وأنه كان يجب أن يصاغ بكلمات قاطعة باستخدام كلمة «إلغاء» التزامات أوسلو. لقد أوردت بعض التقارير الصحفية الفلسطينية أنه وقع خلاف شديد أثناء صياغة القرار الخاص بدور الولايات المتحدة في عملية السلام، إذ طالبت بعض الفصائل بإعلان إلغاء دور الولايات المتحدة في العملية، غير أن ممثلى الرئيس عباس صمموا على إدراج فقرة تبقي الباب مفتوحاً أمام عودة الدور الأميركي إذا تراجعت الإدارة الأميركية عن اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل. لقد اعتبرت الفصائل الفلسطينية المعارضة أن هذا التوجه يعني تمسك السلطة الفلسطينية بعملية السلام وليس الانسحاب منها. كذلك تفيد التقارير عما جرى داخل اجتماعات لجنة صياغة القرارات أن الرئيس عباس صمم على تضمين القرارات فقرة تتمسك بمبادرة السلام العربية، وهو ما حدث رغم إلحاح الفصائل المعارضة على شطبها. يمكننا القول إن المجلس المركزي الفلسطيني بمثابة برلمان وأن سلطة الرئيس عباس يمكنها أن ترجئ أو تعلق تنفيذ قراراته على ما تراه هي أموراً تجعل من هذه القرارات توصيات غير ملزمة في واقع الأمر للسلطة. ذلك أنه لعباس أن يتعامل مع التوصيات كمستودع للقرارات يمكنه أن يبقيه ساكناً على حاله أو ينفذ منه ما يراه معينا له في تحقيق هدف إقامة الدولة. أعتقد أن المشكلة التي ستترتب على هذه القرارات، خاصة قرار تعليق الاعتراف بإسرائيل وقرارإحالة ملف الاستيطان الإسرائيلي إلى محكمة الجنايات الدولية، تتمثل في أن إسرائيل ستستخدمها -كما بدأ نتنياهو يصرح بالفعل- في تقديم صورة عن الفلسطينيين للعالم باعتبارهم غير مخلصين في الاعتراف بإسرائيل وأنهم هم الذين يعرقلون عملية السلام برفضهم الاعتراف بها، وهي مشكلة تتطلب جهودا عربية لمواجهتها ومنع الإدارة الأميركية من إصدار قرارات عقابية ضد السلطة الفلسطينية تحت تأثير وتحريض إسرائيليين.