قليل من زعماء العالم هم من يمكنهم خوض نقاشات حول أدق التفاصيل السياسية لمدة 24 ساعة من دون توقف مع منافسين لدودين، وحلفاء قاسين، ومن ثم إبرام اتفاق وفق شروطهم بدرجة ما، ومن بين هؤلاء بالطبع، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد برهنت لمرة أخيرة، أنه كان من المبكر جداً التقليل من حصافتها السياسية، وذلك بالتوصل إلى اتفاق على تشكيل ائتلاف مبدئي مع الحزب «الديمقراطي الاشتراكي». وقد أصبحت هذه بالفعل أطول فترة بعد الحرب العالمية الثانية تبقى فيها ألمانيا من دون حكومة، فقد أجريت الانتخابات في سبتمبر الماضي، وجولة المحادثات التي أجريت بين حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بقيادة ميركل، وحليفيها البافاريين، «الاتحاد الاشتراكي المسيحي» و«الحزب الديمقراطي الاشتراكي» التي بدأت صباح الخميس، وانتهت في وقت مبكر من صباح الجمعة، دخلت التاريخ باعتبارها أطول محادثات على الإطلاق. وقد كانت جهود ميركل الرامية إلى تشكيل حكومة مستقرة لألمانيا، وليست وزارة أقلية أو إجراء انتخابات جديدة، معركة حامية الوطيس بدرجة جعلتها تبدو في وضع لا تحسد عليه، وإن كان سياسيون أصغر من المستشارة البالغة 63 عاماً ربما لم يستطيعوا معها صبراً. ومن المشاهد التي لا تُنسى من محادثات «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» مع حزبي «الديمقراطيين الأحرار» و«الخضر»، العام الماضي، إعلان زعيم حزب «الديمقراطيين الأحرار» «كريستيان ليندنر»، البالغ من العمر 39 عاماً، بعد انتهاء المفاوضات، أن «عدم تولي الحكم أفضل من الحكم بصورة زائفة». وعاقب الناخبون حزبه، في استطلاعات الرأي منذ ذلك الحين، إذ تدنت نسبة مؤيديه إلى ما دون النسبة التي حصل عليها في الانتخابات. وأثناء ملحمة ما بعد الانتخابات، بدت ميركل أيضاً منهكة ومحبطة، لكنها لم تيأس أبداً. وقد كان طريقها نحو إحراز تقدم يوم الجمعة طريقاً مستقيماً ومنطقياً. حاولت في البداية جمع الأحزاب التي بدت واعدة وفقاً لنتائج الانتخابات، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل لأن «ليندنر» لم يتمكن من قبول بعض التسويات الضرورية مع حزب «الخضر» اليساري، وتجاهلت ميركل تعهد زعيم الحزب «الديمقراطي الاشتراكي»، «مارتن شولتز»، بعدم المشاركة في «الائتلاف الموسّع» بقيادتها، الذي قاد البلاد على مدار الأعوام الأربعة الماضية، ومن ثم عرضت إجراء محادثات بدلاً من الدعوة إلى انتخابات جديدة. وأدى تدخل الرئيس الألماني «فرانك فولتر شتاينماير»، وهو زعيم سابق لـ«الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، وبتحفيز من مؤتمر الحزب، إلى إقناع «شولتز» بأن منح التفويض مرة أخرى للناخبين فكرة سيئة، وأنه في حال إجراء انتخابات جديدة، فمن الممكن أن يكون أداء الحزب أسوأ من النتائج التي حققها في سبتمبر. وفيما دأبت ميركل على البحث عن تسوية، فإن موافقة «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» على التفاوض ربما منحته ميزة في المحادثات. ومثلما اتضح صباح يوم الجمعة، كان من الواضح تماماً مدى الصعوبة التي تفاوضت بها ميركل، بل إنها واجهت نهاية مبكرة لحياتها السياسية، فقد شكك معظم الألمان في قدرتها على إتمام فترة كاملة في حالة إجراء انتخابات جديدة، لكنها راهنت على رغبة «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» في إجراء محادثات، وقد ربحت الرهان. وقد سئم الألمان محادثات تشكيل الائتلاف الحكومي، فهم لم يعتادوا على المفاوضات الماراثونية، كالهولنديين الذين انتظروا 209 أيام من أجل تشكيل ائتلاف العام الماضي. وأظهر استطلاع للرأي أن غالبية الألمان لم يريدوا ائتلافاً آخر يضم «الاتحاد الاشتراكي المسيحي» و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي». ورغم أن الإرهاق الواضح الذي عانت منه ميركل وعجزها عن ممارسة سحر التوصل إلى حلول وسط كالمعتاد جعلاها تبدو ضعيفة لفترة ما، فإنه إذا نجح «شولتز» في ترويج الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم الجمعة، لقاعدته الحزبية، فإن ميركل ستحكم بثقة على الأرجح حتى نهاية فترتها، وستكون أمامها فسحة من الوقت لاختيار من يخلفها، وهي مهمة لم ترغب في القيام بها طوال 12 عاماً في السلطة، لكن لم يعد من الممكن تفاديها. ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»