ليس سراً أن أجزاءً معينة من الولايات المتحدة الأميركية، باتت متخلفة عن غيرها من الناحية الاقتصادية. في الماضي، لم يكن الأمر على هذا النحو: فخلال الفترة من عام 1840 وحتى عام 1963، وكما يقول عالما الاقتصاد«روبرت بارو» و«خافير سالا- مارتن»، كانت الولايات الفقيرة تميل عادة إلى اللحاق بالولايات الغنية. وخلال الفترة من عام 1963 حتى عام 1988، وجد هذا العالمان أن هذا النمط قد ضعف، وإن كانت بعض حالات التقارب بين الولايات في مستوى التقدم، مازالت تحدث. ولكن تبين من دراسة جديدة أجرها«مارك بارتريدج» و«أكسندرا تسفيتكوفا» في ولاية أوهايو، وقدمت في اجتماع الجمعية الاقتصادية الأميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن هذا النوع من التقارب قد توقف في الواقع، وبدأت الأمور تأخذ منحى عكسيا،ً في وقت ما يقع ما بين فترتي السبعينات والتسعينيات من القرن الماضي. فالفوارق في مستويات دخل الولايات، باتت الآن أوسع بكثير مما كانت عليه قبل أربعة عقود، في حين زادت الاختلافات بين المقاطعات، بنسبة ضئيلة. ويشكل التفاوت الاقتصادي مشكلة كبيرة بالنسبة لصانعي السياسات، الذين يتعين عليهم اتخاذ قرار، بشأن المقدار الذي يجب أن يعززوا به من وضع الأماكن التي تكافح للخروج من دائرة الفقر، والمقدار الذي يجب أن يتبعوه في مساعدة الناس على الانتقال إلى أماكن ذات نمو أسرع. وهذه المشكلة تقود بدورها إلى مشكلة أخرى على مستوى التنسيق، لأن السياسات غالباً ما تقرر على مستوى الولاية ككل، وعلى المستوى المحلي أي على مستوى المقاطعات المكونة لها. السؤال الذي يرد على الخاطر في هذا السياق هو: لماذا تتقدم بعض المناطق في الوقت الراهن عن غيرها؟ هذا سؤال يحاول «بارتريدج» و«تسفيتكوفا» الإجابة عليه، ولكنهما في الحقيقة ليسا أول من يفعل ذلك. ففي كتاب تاريخي صدر في عام 2012 بعنوان «الجغرافيا الجديدة للوظائف»، يرى الاقتصادي «إنريكو موريتي» أن المدن ذات المستويات العالية من رأس المال البشري - التعليم ومهارات العمل - كانت تتقدم عن غيرها اقتصادياً واجتماعياً، من خلال اجتذاب الصناعات القائمة على المعرفة التي يعتمد عليها الاقتصاد الأميركي بشكل متزايد». وفي الوقت نفسه، قال «موريتي» إن الأماكن التي تعتمد على التصنيع بالأسلوب القديم، أو الزراعة، قد تخلفت عن غيرها. «بارتريدج» و«تسفيتكوفا» لا يشاركان استنتاج «موريتي» المتشائم بشأن التصنيع. ويريان أن الاحتمال الأرجح هو أن المناطق التي كانت اقتصاداتها تدور تقليدياً حول صنع الأشياء، كان لديها معدلات فقر أقل، ومعدلات نمو للدخل أسرع من الأماكن، التي تعتمد اقتصاداتها على الخدمات، أو استخراج المعادن أو الزراعة بشكل أساسي. ووجد المؤلفان المذكوران أن الأماكن التي تتمتع باقتصادات أكثر مرونة، والتي يمكن للعمال والشركات التكيف فيها بسهولة أكبر مع الاحتياجات السريعة التغير للاقتصاد العالمي، تتمتع بميزة أكبر عن المناطق التي يحدث فيها هذا التكيف بشكل بطيء. وعلى المستوى الاتحادي ومستوى الولايات، يمكن للحكومات، أن تتخذ تدابير لمساعدة العمال على الانتقال من مكان إلى آخر مثل توفير قسائم للتنقل بها، على سبيل المثال. ويمكن استخدام هذه القسائم من قبل العمال المسرحين في فترات الركود، الذين يسكنون المدن المتدهورة، أو من قبل الأشخاص المحاصرين في الأحياء الفقيرة حتى يتثنى لهم الانتقال إلى أماكن تكون فيها الفرص الاقتصادية أفضل. والسياسات القائمة على تشجيع الانتقال بين المناطق المختلفة ستؤدي بالطبع إلى تفريغ بعض المناطق من بعض السكان، وإفادة مناطق أخرى. وهناك تناقض طبيعي بين مساعدة الأماكن الكادحة من ناحية، ومساعدة الناس على الخروج من تلك الأماكن إلى أماكن أكثر تقدماً. وإذا ما تمكنت الحكومات المحلية وحكومات الولايات، والحكومة الفيدرالية من تنسيق جهودها لمواجهة هذا التناقض، فقد يكون من الممكن إيجاد توازن أفضل بين الاثنين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة»واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"