في متحف لوفر أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، توجد أغلى لوحة فنية في العالم، لا يزيد قياسها عن (66 في 46 سم)، تعود إلى 500 عام مضت، بريشة الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، وهي لوحة «سالفاتور موندي» (أو مخلص العالم) التي بلغت قيمتها 450 مليون دولار، لتصبح اللوحة الأغلى في العالم. إنه متحف التسامح الإنساني، في ممراته تتكلم الإنسانية والحضارات البشرية، حيث نرى في قاعة واحدة منظر «الأم وابنها»، وايزيس الفرعونية ترضع ابنها حورس، ولوحات أخرى من الكونجو. هذا الترتيب يهدف إلى فتح عيون زوار المتحف على حقيقة أن تعدد الثقافات وتباين الحقب إنما يظهر كم هم البشر قريبون من بعضهم بعضاً، فكلهم لآدم وآدم من تراب. إنه تحفة تهدف إلى فهم رحلة الجنس البشري قاطبة. ومن يطوف في هذا البناء المعجزة الذي هندسه «جان نوفيل» يصاب بالذهول. ومن خلال الدورة الاستكشافية فيه ينتهي المرء إلى الاقتناع بأن الإرث البشري وإبداعات الإنسان دائماً ما تظهِر مدى التقارب والتشابه بين الثقافات. وقد حرصت القاعات أن تخلو من مناظر البؤس وذكريات الحروب والتعاسات الإنسانية. في حفل افتتاح متحف التسامح، حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي فقال: «إن أدياننا تتصل ببعضها بعضاً على نحو غير قابل للفصل، ومن يزعم أن الإسلام يقوم على تدمير بقية الديانات الموحِّدة ليس إلا كذاباً ومفترياً». وقد عنونت مجلة «در شبيجل» الألمانية على صفحة غلافها الرئيسة، وهي تختتم عام 2017 في عددها الأخير بعبارة مفادها بأن ما يجمع الدينين الإسلامي والمسيحي أكثر مما يفرقهما. وعلى امتداد عشر صفحات تناول «ديتمار بيبر» المسألة الرئيسة بين الإسلام والنصرانية بكثير من الجرأة والوضوح والحيادية. إن الأمل في لقاء أعظم دينين انتشاراً على وجه الأرض (يقدر عدد المسيحيين بنحو 2.5 مليار، وعدد المسلمين بحوالي 1.8 مليار)، أصبح الآن أقرب من ذي قبل. الموضوع نفسه، ناقشته «كاتايون أميربور»، مدرسة مادة العلوم الإسلامية في جامعة هامبورج، إذ تقول: «شاهدت دورات نقاش رائعة، فالكل منبهر بصورة مريم والمسيح كما جسدها القرآن الكريم، وفي الطريقة الرائعة التي تحدث بها عنهما». وقد ذهبت دولة الإمارات العربية المتحدة مدى أبعد في تجسيد سياسة التسامح والتقارب بين الثقافات والديانات، حين وجّه ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتغيير تسمية المسجد الرائع الذي كان يحمل اسمه إلى مسجد مريم أم عيسى عليهما السلام، وهو مسجد يحتضن حواليه غالبية الكنائس الموجودة في أبوظبي، في بادرة رائعة تشع بالتسامح وتقرب بين الديانتين. ولعل هذا ما دفع أحد الكتاب الغربيين إلى القول: «يبدو أن بوابة الحقيقة مفتوحة على مصراعيها، وهي ليست واحدة بل بوابات متعددة، تماماً كما هي بوابات المسجد الحرام». إنها بادرة مبشرة أن يكف البشر عن تكفير بعضهم بعضاً، وهي عودة إلى روح الإسلام التي أطلقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبله المسيح عليه السلام: «وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون». ربما كانت هذه أجمل خاتمة لعام 2017 وفاتحة استقبال لعام 2018. ابشروا بالخير يا أبناء جميع الديانات: على الأرض السلام وفي القلوب المسرة.. طوبى لصانعي السلام ولأنقياء القلوب.