في ذكرى ميلاد عيسى المسيح عليه السلام، نتذكر أن الله تعالى منحه معجزة القدرة على إحياء الموتى، وفي القرآن الكريم أنه كان ينبئ الناس بما يأكلون ويدخرون، ويعمل من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. وهو الذي أنطقه الله في المهد صبياً، وبعثه ليحِلَّ لبني إسرائيل ما حُرِّم عليهم، لكنهم اتهموه ولاحقوه واعتقلوه، فنظر إليه الحاكم الروماني «بيلاطس» ليسأله ثلاث مرات: أأنت ملك اليهود؟ فيجيبه بما يعلق عليه المؤرخ والفيلسوف «أوسفالد شبنجلر» بأنه هنا تمت المواجهة بين عالمين مختلفين. يتحدث القرآن عن بني إسرائيل وقتلهم الأنبياء بغير حق، مما يعني أن المسيح لم يكن استثناءً من قاعدة الرفض والإيذاء التي تعرض لها أيضاً نبي الرحمة محمد صلى عليه وسلم، حتى مشى بين القتلة وهم يحملون سيوف قبائل قريش، بينما كان يقرأ عليهم ما يضبب رؤياهم عن إبصاره: «وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون». ومن أهم ما في شخصية المسيح ذلك السلام المجلل والوجه الوضاء، كما وصفه رسولنا الكريم حين اجتمع به في رحلة الإسراء إلى بيت المقدس. حين نقرأ موعظة الجبل في الإصحاح الخامس من إنجيل متّى، لا نملك إلا الامتلاء بالخشوع، بل لابد أن تعترينا قشعريرة من قوة الكلمات. طوبى لصانعي السلام لأنهم أحباء الله. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى لأنقياء القلب لأنهم الله يعاينون. طوبى للعطاش إلى البر لأنهم يرتوون. كان عيسى دوماً يتكلم بالحكمة، ويردد: كم هو غليظ قلب هذا الشعب! إن لهم أبصاراً لكنهم لا يبصرون. أما القادة العميان فيصفهم بالقبور، من الخارج مطلية بالأبيض ومن الداخل عظام نخرة. وكان يردد: أيها القادة العميان، إنكم تطوفون الجبل والسهل لقنص تابع جديد تدفعونه إلى نار جهنم. إنكم حريصون أن تعشروا الشبث والنعناع وتنسون الناموس الأكبر الحق، فبه لا تعملون. ويوصي المعلم أتباعه بالانتباه البالغ لرجال الدين وممثلي الشريعة، فيقول: جلس الكتبة والفريسيون على كرسي موسى، فكل ما قالوا لكم افعلوه فافعلوه. لكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يحبون المتكأ الأول في المجالس ويعرضون عصائبهم وعمائمهم ويحبون أن يناديهم الناس سيدي سيدي.. ولعلّة يطيلون صلواتهم. في ذكرى ميلاد المسيح، وعلى الجبهة في الحرب العالمية الأولى، بدأ الجنود الألمان والأنجليز يغنون أناشيد أعياد الميلاد. ثم قالوا: مالنا نتقاتل ونحن أمة واحدة من أتباع رسول السلام الذي قال السلام على الأرض وفي القلوب المسرة؟! وهكذا ألقى الجنود أسلحتهم وتصافحوا وتهادوا وبدؤوا في لعب الكرة خارج خنادق الموت. أدرك الجنرالات من بعيد أنها ظاهرة تمرد خطيرة تدخل الخلل إلى النظام العسكري، فتدخلوا لإيقاف هذا الفيروس الخطير، وليتابع الجنود نحر بعضهم بعضاً. بقي أن نعرف أن تلك اللحظة من روح المسيح لم تمت، واليوم دخل الأوروبيون في دين المسيح فعلا، فلم يعودوا يتقاتلون وتركوا المذبحة لعرب الجاهلية فهم يقتتلون.