قبل اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية يوم السبت الماضي تولدت عندي فكرة اعتقدت، وما زلت أعتقد أنها تندرج في باب المواقف البناءة والطروح الإيجابية. كنت أعلم أننا بطبيعة اللحظة المشحونة سنركز على إدانة قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومطالبة الرئيس الأميركي بالتراجع عن قراره، وأننا فضلاً عن ذلك سنركز على مدى مخالفة القرار الجسيمة للقوانين الدولية، التي تمنع إجراء أي تغييرات سكانية أو جغرافية في الأقاليم الخاضعة للاحتلال. إنني أحسب أن فكرتي تقدم إضافة إلى كل هذا، وهي تتمثل في هدف أن نعطي ترامب مخرجاً بأن تفتح القيادات العربية أمامه باباً لتصحيح وموازنة الخطأ القانوني والسياسي الذي وقع فيه. أما مضمون الفكرة التي ما زالت قابلة للتطبيق، فهي أن تدعو القيادات العربية الرئيس ترامب ونائبه عندما يزور الأخير المنطقة خلال أيام إلى إصدار إعلان آخر يوازن به إعلانه الأول الذي أصدره متحيزاً لإسرائيل على أن يعني الإعلان الجديد اعتراف ترامب غير المشروط بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. لقد بنيت فكرتي على تحليل إعلان ترامب الأول، الذي حرص فيه على أن يؤكد أن مسألة حدود القدس متروكة للمفاوضات، وهو ما يعني أن إعلانه تعمد استخدام كلمة القدس بغموض. لقد ترك ترامب الكلمة عائمة من دون تحديد، بينما لدينا ثلاث معان لكلمة القدس: الأول هو القدس الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1948، التي أقامت فيها مؤسسات الحكم بما في ذلك الكنيست، والمعنى الثاني هو القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 التي تضم الحرم القدسي الشريف، والمعنى الثالث الذي تؤديه كلمة القدس الغامضة هو ما تسميه إسرائيل «القدس الموحدة» بعد أن أعلنت ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية. إذن لقد ترك ترامب الكلمة في بيانه من دون تحديد جغرافي، وهو ما يفتح ثغرة تسمح لنا بمطالبته بالاعتراف بالقدس عاصمة أيضاً للدولة الفلسطينية، وحتى لو لم يقل القدس الشرقية في بيانه الجديد الذي نقترحه فإنه سيكون مفهوماً أنه يعني القدس الشرقية، وأن بيانه الأول يعني القدس الغربية، ليترك بقية التفاصيل للمفاوضات بين الطرفين. إنني أقترح أيضاً كما سبق وذكرت أن نطالب ترامب بأن يعلن اعترافه غير المشروط بحل الدولتين، وهنا أتوقف لأبين الهدف من هذا الاقتراح. لقد قال ترامب في بيانه الأول أنه يعترف بحل الدولتين إذا وافق الطرفان على ذلك. هنا يضع ترامب شرطاً لاعترافه بحل الدولتين أي حل إقامة الدولة الفلسطينية بجانب إسرائيل، وهو شرط موافقة الطرف الإسرائيلي والطرف الفلسطيني، وبما أن الطرف الفلسطيني موافق على هذا الحل، بل ويطالب به في إلحاح فإن الشرط الذي يضعه ترامب هنا يصبح معناه أنه يعلق اعترافه بحل الدولتين على موافقة إسرائيل. إن الرئيس ترامب والعالم أجمع يعلم أن حكومة إسرائيل اليمينية يقوم موقفها الأيديولوجي والسياسي الغالب على اعتبار الضفة الغربية جزءاً من أرض إسرائيل التاريخية، وأنه لا يجب أن يكون فيها إلا دولة واحدة هي دولة إسرائيل ويعلم أيضاً أن دوائر حزب ليكود اليميني - صاحب أغلبية الحكم اليوم - هي التي أطلقت على الضفة الغربية تسمية عبرية هي (يهودا والسامرة) منذ عقود لتنفي بهذه التسمية الحقوق العربية في الضفة. إذن فإن اقتراحنا بأن يعلن الرئيس ترامب اعترافه غير المشروط بحل الدولتين يعني ببساطة أن يقول الرئيس الأميركي: (إنني اعترف بحل الدولتين) دون أية إضافات تضع هذا الاعتراف في قبضة كماشة اليمين الإسرائيلي.