هل حصلت روسيا على قيمة ما استثمرته من مال وجهد؟ فلاديمير بوتين تعرض للخداع: هذه إحدى وجهات النظر، فبعد عام على الجهد الذي بذله بوتين لترجيح كفة ترامب في الانتخابات الأميركية، ما زالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظامه في مكانها، والعلاقات الأميركية- الروسية لم تعرف أي دفء، ولكنني أعتقدُ أن تقييم أداء بوتين استناداً إلى هذا المقياس الثنائي فقط فيه تبخيس لما قام به. ذلك أنه عندما أمر أجهزَته الاستخباراتية وريثة الـ«كي جي بي» بالتدخل في الانتخابات الأميركية، كانت تحدوه أهداف أكبر بكثير، ولنلقِ في ما يلي نظرة على كشف العلامات، بعد مرور عام، وذلك بناءً على ثلاثة أهداف من المرجح أن يكون قد سطَّرها لنفسه. - الهدف الخاص بتقليص الزعامة الأميركية في العالم. بخصوص هذا الهدف، لا بد أن بوتين مسرور، ففي ظرف عام واحد، أضعفت إدارةُ ترامب الزعامةَ الأميركية في العالم بطرق ما كانت تستطيع روسيا أن تحقّقها بمفردها في عشر سنوات، فقد سحب ترامب الولايات المتحدة من اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» مع 11 دولة تتوق للحماية الأميركية في مواجهة الهيمنة الصينية. وهذا الشهر رأينا بعض النتائج: أحد عشر بلداً توقّع اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ» من دون الولايات المتحدة؛ والصين تتبختر على الساحة الآسيوية كأهم وأقوى دولة بلا منازع؛ وترامب لا يجد من يقبل عرضه بخصوص اتفاقات تجارية ثنائية. وفي الأثناء تنسحب الإدارة من اتفاق باريس حول تغير المناخ، لتبقى بذلك الولايات المتحدة الدولةَ الوحيدة في العالم التي تفعل ذلك – ما يسمح للصين مرة أخرى، ورغم إحراقها للفحم، من الظهور بمظهر الزعيم العالمي بخصوص البيئة، كما يبدو ترامب قريباً من نسف أنجح تحالف اقتصادي للبلاد، اتفاقية «نافتا» التجارية مع الجارين المكسيك وكندا. العلامة: 16/20 - الهدف الخاص بإضعاف الإيمان بالديمقراطية: هنا أيضاً لا بد أن بوتين مسرور. فبحد أدنى من الاستثمار، أثّر هذا الأخير على الناخبين بطرق تكفي لإلقاء شكوك على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هنا هو أن الإدارة الحالية لم تتخذ تقريباً أي خطوات لمنعه من التدخل مرة أخرى، وأن الحزب ذا الأغلبية في الكونجرس يتبنى موقفاً ضبابياً وغامضاً، ولهذا فإن الانتخابات في الولايات المتحدة ربما لن تكون محمية على نحو أفضل في 2018 و2020. وعلاوة على ذلك فإن المدير السابق لحملة الرئيس الانتخابية ونائبه وُجهت لهما تهم رسمياً، بشأن علاقات مريبة مع روسيا. أما إن كنت تعتقد أن بوتين لا بد أنه قلق الآن من أن يُكتشف أمره؟ فلا. إذ كلما سقطت شبهات جديدة على النظام الأميركي، خدم ذلك هدفه بشكل أفضل، ولسان حاله يقول: نعم، قد أكون مثيراً للجدل وغير ديمقراطي، ولكنكم أيضاً كذلك – والفرق بيننا أنكم أكثر نفاقاً. العلامة: 16/20 - الهدف: تأليب الأميركيين بعضهم على بعض. لعل أكثر ما يصدم بشأن الأخبار الزائفة التي يبثها الروس هو التشكيك الكلي: فليس ثمة تصديق لأي شيء، وإنما تغذية للشكوك والكراهية، ومحاولات لتأليب الأديان والمجموعات الإثنية بعضها على بعض، وإضعاف الثقة في المؤسسات وفي فكرة الحقيقة نفسها. والواقع أن بوتين ما كان يمكن أن يجد شريكاً أفضل لهذه الجهود من ساكن البيت الأبيض الحالي، فمنذ تصريحاته الخيالية في اليوم الأول حول عدد الحاضرين في مراسم التنصيب، ظل منفصلاً عن الحقيقة، وقد واصل الكثير من سياساته مواضيع الحملة المثيرة للانقسام: حظر السفر، ومنع الجنود المتحولين جنسياً عبر تويتر، والتخلي عن «الحالمين»، أو أبناء المهاجرين غير الشرعيين الذين مُنِحوا استثناء وسُمح لهم بالإقامة في الولايات المتحدة في عهد الإدارات السابقة. استطلاعات الرأي تُظهر أن عدم الثقة والتعصب الحزبي في ازدياد، وأن الثقة في معظم المؤسسات في انخفاض. ومن جهة أخرى، وفي أول اختبار انتخابي مهم لـ«الترامبية» منذ انتخاب ترامب، رفض الناخبون في فرجينيا حملة اعتمدت كثيراً على الانقسامات العرقية والخوف من المهاجرين والجريمة. العلامة: 14/20 هذه النتيجة الانتخابية في فرجينيا تقودنا إلى نقطة أكبر: إن روسيا لا تستطيع أن تفعل لنا إلا ما نسمح لها بفعله، فبوتين يستغل التصدعات والتوترات الموجودة أصلاً، ولا يخلقها. وإذا قرّر الأميركيون أن بلدنا أفضل من رؤية بوتين له، فإننا قادرون على جعله كذلك. إننا نستطيع تقوية مؤسساتنا الديمقراطية، ونبذ التعصب، ومد أيدينا لـ«الحالمين»، مثلما أخذ يفعل أميركيون كثيرون منذ بعض الوقت. ولا شك أننا نستطيع خفض معدل علاماته. فريد حياة محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»