في منتصف يوليو 2016، عقد أستاذ جامعي أميركي يُدعى «هنري باركي» ورشة عمل أكاديمية بشأن إيران، في فندق على جزيرة قرب إسطنبول. وفي تلك الليلة حاول عناصر من الجيش التركي القيام بانقلاب عسكري ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، سرعان ما باء بالفشل، لكنه أثار حملة اعتقالات ما تزال مستمرة حتى الآن. وأكمل «باركي» مؤتمره، وقضى يومين في إسطنبول ثم عاد إلى وطنه. بيد أن ما أثار ذهول «باركي» أنه سرعان ما أصبح هدفاً لأحدث سلاح سياسي في العالم، ألا وهو «الأخبار الكاذبة»، في صيغة حملة إعلامية محمومة. وزعمت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية أن «باركي» كان على جزيرة «بايوكادا» ليس لمناقشة العلاقات الخارجية الإيرانية مع زملائه الأكاديميين، وإنما لتوجيه الانقلاب نيابة عن المخابرات الأميركية. وبالنسبة لمن يعرفون ذلك الأستاذ الجامعي يبدو الأمر مثيراً للضحك، فهو مفكر نمطي في الـ63، جمع بين التدريس في جامعة «لي» والقيام بمهمات لصالح مراكز الأبحاث والسياسات في وزارة الخارجية الأميركية، غير أن تداعيات العالم الحقيقي لم تكن كذلك، فالأساتذة الأتراك الخمسة الذين حضروا ورشة العمل شوّهت سمعتهم، وجرّدوا من جوازات سفرهم، وتم احتجاز أحدهم لأسبوعين. ويوم الجمعة الماضي، كشفت الصحافة التركية أن المدعي العام أصدر مذكرة توقيف بحق «باركي». وتشمل لائحة المتهمين «ميتين طوبوز»، موظف القنصلية الأميركية المحتجز منذ أسابيع، ما أثار أزمة دبلوماسية علّق البلدان على أثرها إصدار التأشيرات. ولم يحضر «طوبوز» ورشة العمل، ويقول «باركي» إنه لم يلتقه أبداً. غير أن أحد الدروس المستفادة أن الأمر لا يتعلق بالحقائق المجردة فقط، بل مجرد إمكانية الإقناع البسيطة ليست مهمة عند توجيه الاتهامات، فوسائل التواصل الاجتماعي يمكن استغلالها لجعل أي شيء مقنعاً، وبمجرد نشر الأخبار الكاذبة، يمكن للمسؤولين المطالبة بإجراء تحقيقات، بينما يؤكدون أنهم لا يرغبون سوى في معرفة الحقائق. جاكسون ديل محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»