لقد وقع مرة أخرى رغم كل شيء.. حادث إطلاق نار جماعي آخر محتوم ومشؤوم ومتوقع! ففي يوم الأحد الماضي، أطلق مسلح النار على 26 شخصاً في إحدى الكنائس بولاية تكساس. وتلك الحوادث هي مآس أميركية بامتياز، وما يفطر القلب أنها لم تعد تشكل صدمة. وربما أن الناس في أرجاء العالم أصبحوا غاضبين، ويحاولون الإضرار بالآخرين، لكن في الولايات المتحدة فقط نعاني من حوادث إطلاق النار العشوائي بصورة منتظمة، وفي الولايات المتحدة وحدها نفقد شخصاً كل 15 دقيقة بسبب العنف المسلح. لذا دعونا لا نتفجع على القتلى فحسب، ولا ننكّس الأعلام وندلي بخطابات بائسة فقط، وأقترح على وجه الخصوص، محاولة اتباع نهج جديد لتقليص العنف المسلح.. باستخدام «استراتيجية للصحة العامة». والواقع هو أن الولايات المتحدة لديها أسلحة أكثر من أية دولة أخرى. والخطوة الأولى هي فهم نطاق التحدي الذي يواجهه أميركا، إذ إن لديها أكثر من 300 مليون سلاح، بواقع سلاح لكل مواطن تقريباً، ويُفسّر ذلك ارتفاع معدلات الوفاة بالأسلحة النارية. وفي أقصى الطرف الآخر، يوجد في اليابان أقل من سلاح واحد لكل شخص، ولديها أقل من عشرة وفيات باستخدام أسلحة نارية سنوياً في الدولة بأسرها. وفي تلك الأثناء، يبدو النهج الليبرالي غير فعّال، ومن الأجدر اتباع استراتيجية للصحة العامة بدلاً منه. وبصراحة شديدة، بدت المعارضة الليبرالية للأسلحة في كثير من الأحيان غير مثمرة، فالحظر لمدة عشرة أعوام على الأسلحة الهجومية لم يحقق النتائج المرجوة، ويرجع ذلك إلى أن بعض التعريفات كانت مجرد ملامح تجميلية مثل حظر «حاضنات المدافع»، ذلك أنه قبل الحظر لم تكن تلك الأسلحة تمثل سوى 2 في المئة فقط من الأسلحة المستخدمة في ارتكاب الجرائم. ويركز أنصار جناح "اليسار" في بعض الأحيان على فكرة «السيطرة على الأسلحة»، التي تُخيف أصحاب الأسلحة وتفضي إلى مزيد من عمليات الشراء. لذا، فإن الإطار الأفضل هو «سلامة الأسلحة» أو «تقليص العنف المسلح». وفي كثير من الأحيان، يحتج المتحمسون للأسلحة بأن «السيارات تقتل من الناس أكثر مما تقتل الأسلحة، وعلى رغم ذلك لا نحظرها!»، لكنه الكلام مردود عليه، فالسيارات نموذج لنهج الصحة العامة الذي أقترحه، وعلى رغم أننا لا نحظر السيارات، لكننا نبذل قصارى جهدنا لننظمها، ونقيد استخدامها، كي نقلص الوفيات الناجمة عنها. وقد أفضى ذلك إلى تراجع معدل الوفيات بنسبة 95 في المئة لكل مئة مليون ميل من القيادة منذ عام 1921. وتلك هي استراتيجية الصحة العامة التي نودّ تطبيقها على الأسلحة كما هي مطبقة على السيارات. وأحد التحديات التي تواجه أية استراتيجية للصحة العامة، هي أننا نحتاج دليلاً دامغاً على الأساليب التي تجدي نفعاً لتقليص الوفيات، وتكلفتها. وعلى رغم ذلك، ثمة نقص سافر في الأبحاث المرتبطة بالعنف المسلح، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن «الاتحاد القومي للأسلحة» يعادي بشدة تلك الأبحاث، ويتغاضى الكونجرس عن ذلك. وفي بعض الأحيان، قد يبدو تحقيق تقدم فيما يتعلق بالعنف المسلح مهمة مستحيلة، في ضوء غلبة «الاتحاد القومي للأسلحة» في هذه المسألة على الكونجرس، لكنني أشعر بتفاؤل كبير، مردّه إلى أننا جميعاً نتفق على بعض الأنواع من القيود على الأسلحة. فلا يوجد من يعتقد أنه ينبغي أن يكون الناس قادرين على امتلاك أسلحة مضادة للطائرات في أفنية منازلهم. لذا، فإن السؤال ليس بشأن ما إذا كنا سنقيّد الأسلحة النارية، وإنما من أين نبدأ، وأي أسلحة بالتحديد ينبغي تقييد استخدامها؟ نيكولاس كريستوف كاتب أميركي حاصل على جائزة "بوليتزر" يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»