سعد الأفارقة هذا الأسبوع بخبر صادر عن اللجنة التحضيرية للاحتفال السنوي ببطل أفريقيا، ليس في كرة القدم هذه المرة، ولكن للاحتفال بنيجيريا بطلة مواجهة الفساد في عام 2017، مع أن نسبتها في هذا المجال ليست هي أكبر النسب، فقبلها جمهورية الرأس الأخضر التي تكاد تبرأ من هذا الوباء مثلًا، ولكن بسبب حجم نيجيريا والسمعة الهائلة التي ارتبطت باسمها في هذا المجال. وقبل أن نتعامل مع بعض الأمثلة، نود الإشارة إلى أن أمور الفساد أصبحت لها صفة العولمة، ولا ننسى أنه من قبل كانت عولمة تجارة الهيروين وسهولة انتقاله بين آسيا وتبادله مع أسواق أميركا اللاتينية. ومع تطوير مفاهيم العولمة، والتسليم بنوع من هيمنة هذه الكتلة أو تلك منذ التسعينيات من القرن الماضي، تطور التسليم بأنواع مختلفة من السلوك الإنساني، وأصبحت خطورة الفساد هي أعمق عوامل تعويق التنمية بل والديمقراطية بسبب بعدها الداخلي والخارجي على حد سواء. فالشركات العابرة للقوميات أصبحت تملك عملاء محليين كبار التأثير في بلدانهم، وقادرين على نقل وتحويل الأموال، وفساد الطبقة الغنية وضغطها في الحكم قادر أيضاً على تيسير تبادل المصالح، وحرمان الفقراء من عائد التنمية، أو المشاركة في توجيه حكم أو ثروة البلاد. وقد قال «توماس كوارتي»، وهو أحد مسؤولي الاتحاد الأفريقي معني باللجان عن الفساد، إن ثمة خسارة سنوية لإفريقيا تبلغ خمسين مليار دولار في عمليات التداول المالي. وهذا ?الرقم ?بالمناسبة ?يبدو ?متواضعاً ?بالمقارنة ?بحجم ?الديون ?المسجلة ?على ?إفريقيا ?التي ?تفوق ?الأربعمائة ?مليار ?دولار، ?بينما ?حجم ?ودائع ?الأثرياء ?الأفارقة ?في ?أوروبا ?يقترب ?هو ?نفسه ?من ?هذا ?الرقم! ?ومعنى ?ذلك ?أن ?ما ?يسمى ?بالمساعدات ?الأوروبية ?لإفريقيا ?لم ?يصل ?في ?مجموعه ?لنصف ?هذا ?الرقم ?للودائع ?المنقولة ?من القارة السمراء... والصحف ?الإفريقية ?مليئة ?هذه ?الأيام ?بأخبار ?ما ?تعتبره ?مجرد ?فضائح ?للنشر?، ?بأكثر ?منها ?كوارث ?اجتماعية ?اقتصادية ?بالغة ?الأثر. ? وما ذكر بشأن نيجيريا هو ما يسمى في مختلف المصادر بـ«فضيحة مالابو»، ولأن الإعلام له مسالكه عند الرأسماليين، فإن ثمة تغطية على أخبار الفضيحة بأخبار سعيدة لا تخلو من دلالة على أي حال يعلنها النائب العام عن نجاح نيجيريا في استرداد 85 مليون دولار سلمتها لها السلطات البريطانية، ضمن قضايا مرفوعة حول مليار دولار نقلها وزراء لحساباتهم، بينما هي «عابرة» للحكومة النيجيرية من بعض أكبر الشركات المستثمرة في البترول، لأنها متهمة بتسهيل ذلك عبر سماسرة بين الوزراء والشركة (الملاحظة البسيطة هنا أن وزيرين هاربان في العواصم الأوروبية، وأن ثالثاً عليه إرجاع أكثر من ثلاثة مليارات دولار). ونقول إن الفساد ظاهرة عالمية لأنه محكوم الآن بآليات التحرك وتفعيل كل السلطات في مختلف البلدان، وليس البلد الغني أو الفقير، ولكن معظم التعليقات تشير إلى دور العامل الخارجي ممثلاً في الشركات العالمية بأكثر منه دور شخصيات فاسدة. ولكنها تشير أيضاً إلى جدية توجه نظام الحكم، وتظل نيجيريا هنا مثلًا أيضاً لأن نظام الرئيس بخاري كان شديد القبضة ضد الفساد، منذ جاء للحكم، وقيامه بعمليات تطهير واسعة في الجيش والإدارة، ولو توفر أمثاله في أنحاء القارة لاسترداد أموالها المنهوبة لتحقق الكثير في مجال التنمية والديمقراطية على السواء. ثمة إشارة أيضاً إلى اتجاه بعض الكتل الكبرى التي تلجأ لإنشاء صناديق تمويل كبيرة مثل الصين (لصالح دول «بريكس»)، ولذا يتعين عليها أن تقوم بدورها في ضمان مسارات مشروعاتها كتنظيمات دولية احتراماً لآمال التنمية عند الشعوب المقترضة، ولا تسمح لسماسرة الفساد بأن يظلوا يعبثون بمقدرات الدول الفقيرة.