حسناً! لقد قامت القوات الباكستانية بناء على معلومات سرية تلقتها من وكالات استخبارات أميركية، بتحرير «كيتلان كولمان» المواطنة الأميركية وزوجها الكندي، اللذين ظلا أسيرين لدى شبكة «حقاني» في أفغانستان لمدة خمس سنوات كاملة. ويمكن أن يحدونا الأمل، بأن يكون إطلاق سراح الرهينتين، بمثابة مؤشر على أن باكستان باتت مستعدة أخيراً، لوقف توفير ملاذات آمنة للإرهابيين المواليين لطالبان، مثل شبكة حقاني الذين يذبحون الأفغانيين، ويختطفون الأميركيين، وأن تكون الاستخبارات العسكرية الباكستانية التي تدعم هذه الشبكة منذ مدة طويلة، قد رأت الضوء أخيراً. وفي إشارة لفك أسر الرهائن، قال الرئيس دونالد ترامب عن باكستان: «هذه دولة لم تكن تحترمنا من قبل، ولكنها باتت تحترمنا الآن، وصدقوني عندما أقول ذلك» لا تحبسوا أنفاسكم، فمن المعروف أن الرؤساء الأميركيين، قد حاولوا لعقود طويلة قطع الروابط القائمة بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية وشبكة حقاني، وهي شبكة قبائلية أفغانية تكونت في ثمانينيات القرن الماضي إبان المعركة ضد السوفييت. والجماعة التي يبلغ تعدادها 10000 مقاتل، تعمل علناً من مناطق القبائل الباكستانية القريبة من الحدود الأفغانية، ويقوم مقاتلوها بعبور الحدود بشكل منتظم، لدعم جهود «طالبان» لإطاحة الحكومة الأفغانية. وفي يونيو الماضي نفذ الجماعة أكبر عملية إرهابية في كابول، باستخدام شاحنة كبيرة مفخخة، أسفرت عن مصرع وجرح المئات، والاستخبارات العسكرية الباكستانية تعرف أين تجد قادة حقاني، ومع ذلك تتركهم ليستمروا في العمل بحرية. وكانت «كولمان» وزوجها قد اختطفا على أمل مبادلتهما بكبار قادة شبكة «حقاني» المسجونين، في كابول بمن فيهم أنس حقاني، الابن الأصغر لمؤسس الجماعة الأسطوري «جلال الدين حقاني». «ما زالوا يريدون استرداد ولدهم» هذا ما يقوله «فان دايك»، مؤلف كتاب: «التجارة: رحلتي في متاهة الخطف السياسي»، والصحفي الذي سبق له التعرف على قادة «حقاني» عندما كانوا يحاربون السوفييت، والذي قابل القائد إبراهيم حقاني مرتين هذا العام، في محاولة منه للتوسط للمساعدة على إطلاق سراح «كولمان» وزوجها. يقول فان دايك: «شبكة حقاني تحت السيطرة الكاملة لجهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية»، وهو يؤكد أنه لم تكن هناك من وسيلة أمامه لتدبير أمر المقابلات التي أجراها، من دون الحصول على الضوء الأخضر من ذلك الجهاز. وهو ما يعيدنا إلى السؤال الخاص بما إذا كان الإفراج عن الرهائن، يعني أن السياسة الباكستانية قد تغيرت. من المؤكد أن الباكستانيين قد أحيطوا علماً بلغة الرئيس ترامب الخشنة في أغسطس الماضي، عندما أعلن عن استراتيجية جديدة لأفغانستان، وقال في تصريح له آنذاك: «لم يعد بإمكاننا السكوت على الملاذات الآمنة في باكستان التي تستخدمها المنظمات الإرهابية»، وعلاوة على ذلك قامت الإدارة الأميركية بوضع 255 مليون دولار، وهو قيمة مساعدة عسكرية لباكستان في حساب خاص معادل لحسابات الضمان المعلقة على شرط، وهذا الشرط في الحالة الباكستانية، هو أن سلطات إسلام آباد لا يمكنها الحصول على هذا المبلغ، إلا إذا قامت بشن حملات دهم شبكات الإرهاب التي تهاجم أفغانستان، من أراضيها. قال لي «فان دايك»: «أنا واثق من أن خطاب ترامب قد شكل ضغطاً كبيراً على باكستان، وأن ذلك الإفراج عن الرهائن، كان طريقة لإظهار أن الباكستانيين ليسوا دولة إرهابية». كل ذلك يمثل تطوراً نحو الأفضل، ولكن المشكلة هي أننا قد رأينا هذا الفيلم من قبل، ليس مرة واحدة، وإنما مرات عديدة، فالرئيس جورج دبليو بوش، وضع شروطاً قاسية على باكستان، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أجبرت الرئيس الباكستاني في ذلك الوقت برويز مشرف، بأن ينأى ببلاده عن «طالبان»، ولكن ذلك لم يمنع الاستخبارات العسكرية الباكستانية مطلقاً، من مساعدة زبائنها «طالبان» و«حقاني»، علاوة على أننا لم نعرف حتى الآن التفاصيل الكاملة عن الكيفية، التي تمكن بها أسامة بن لادن، من الاختباء لسنوات بالقرب من أكبر أكاديمية عسكرية باكستانية. بدوره وجه الرئيس باراك أوباما تأنيباً شديدة لإسلام آباد لدعمها للإرهابيين. وفي عام 2016 احتجز «البنتاجون» مساعدات مالية عسكرية لباكستان بقيمة 300 مليون دولار، لعدم اتخاذها إجراءات ضد الإرهابيين الذين كانوا يؤججون العنف في أفغانستان. والآن نرى الرئيس ترامب وهو يكرر المحاولة، مرة أخرى. وهو على حق في ذلك، لأن الملاذات الآمنة في باكستان والتي تستغلها شبكة «حقاني» و«طالبان» تجعل من المستحيل تحقيق الاستقرار في أفغانستان. ولكن الباكستانيين ما زالوا يعتقدون أنهم بحاجة لدعم المقاتلين الأفغان، كوسيلة احترازية ضد عدوهم اللدود الهند، الذي يعتقدون «خطأً» أنها تسعى إلى بسط سيطرتها، على أفغانستان. أما عن إطلاق سراح الأسرى الأميركيين، فيقول حسين حقاني السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، والذي يعتبر خبيراً في الصلات بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية والمجموعات المسلحة: «أما عن السبب الذي لم يجعل باكستان غير قادرة على التصرف من تلقاء نفسها؟ فلا أحد يستطيع تقديم إجابة دقيقة عن ذلك، ولا عما إذا كانت الاستخبارات العسكرية الباكستانية، تعرف مكان وجود الرهائن أم لا». بمعنى آخر، ما زال مبكراً لحد كبير، أن ننظر إلى إنقاذ «كيتلان» وعائلتها كعملية قادرة على تغيير قواعد اللعبة. وعلى الرغم من تهنئة ترامب السريعة لنفسه على ما تحقق، فإن البيت الأبيض يجب أن يعمل على مقاومة أي محاولة لاستغفاله. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون ميديا سيرفس»