مرت ذكرى تصريح بلفور (2/11/1917) وذكرى تقسيم فلسطين بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة (29/11/1947) بدون إشارة إلى مضمونهما. وكان تصريح بلفور على شكل رسالة وجهها اللورد آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني إلى اللورد أدموند روتشليد زعيم الصهيونيين اليهود البريطانيين بتاريخ 2/11/1917. وقد اعتبر هذا التصريح وعداً تمسك به الصهيونيون كل التمسك واعتبروه وثيقة تفوق قيمتها قيمة معاهدة سايكس- بيكو التي أسهمت مع تصريح بلفور في تشكيل التاريخ الحديث لدول منطقة الشرق الأوسط. أما قرار تقسيم فلسطين فقد رفضته الدول العربية آنذاك على اعتبار أنه مخالف لميثاق الأمم المتحدة. فالتقسيم لم يسأل الشعب رأيه.
وكان رأي هذا الشعب مناقضاً لقرار التقسيم، عدا عن أن وعد بلفور صدر في عام 1917 في وقت لم يكن لبريطانيا فيه أي صلة قانونية بفلسطين فاحتلال فلسطين من قبل بريطانيا حدث بعد صدور التصريح كما أن قانون الاحتلال لا يجيز لدولة الاحتلال أن تتصرف بالأراضي المحتلة كما تشاء. يضاف إلى ذلك أن التصريح، كما تبين، أعطى فلسطين لمجموعة من الناس لا تملك أي صفة أو حق في تسلمها أو استيطانها أو احتلالها، وإن الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة.
وفي العقود التي انقضت على قيام الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، تركزت الجهود على استقدام المهاجرين اليهود لتهويد فلسطين استناداً إلى مزاعم صممت خصوصاً لتشكل ذرائع للجريمة التي ارتكبتها بريطانيا في وعد بلفور وفي تقسيم فلسطين، وحتى مارس هذا الكيان دوراً عدوانياً في مواجهة الأمة العربية والشعوب الإسلامية. وهكذا انخرط الكيان الصهيوني في مخطط الهيمنة الاستعمارية الغربية على الوطن العربي، لمنع تكامل طاقاته ولضرب إمكانيات وحدته وتعريض أمنه القومي للخطر.
إن النتيجة الطبيعية لقيام الكيان الصهيوني، سواء في تصريح بلفور، أو في قرار تقسيم فلسطين، هي تدمير الوجود المادي والمعنوي للشعب العربي في فلسطين. وبقيت هذه القضية دون ظهور أي أفق للحل بطريقة عادلة، بفعل الدعم اللامحدود الذي تلقاه الكيان الصهيوني من القوى الاستعمارية الغربية ومن الإدارة الأميركية الحالية. وقد أصدرت اللجنة الرباعية، وهي تصغير لمجلس الأمن، مشروع خريطة الطريق. وإذ قبلت به السلطة الوطنية الجديدة، لا تزال إسرائيل تضع حول المشروع تحفظاتها، وهي كثيرة، وتلتف عليه وبخاصة أنها، بمساعدة الإدارة الأميركية الحالية وحمايتها، تميل إلى اعتبار الحدود الفاصلة بين الدولتين في فلسطين حدوداً غائمة، حالها في ذلك حال حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقدس. وهي موضوعات متروكة للمؤتمر الدولي الذي دعت إليه بريطانيا في عام 2005. ومن المعروف أن بريطانيا هي شريكة الولايات المتحدة في احتلال العراق وتدمير منطقة الشرق الأوسط، وهي صاحبة وعد بلفور.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال البريطاني ومن وعد بلفور وقرار تقسيم فلسطين ومن قيام إسرائيل -المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني- ثم استكمال ما تبقى من الأرض الفلسطينية في عام 1967 - المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني- وأراضي دول عربية مجاورة لفلسطين. ويريد أرييل شارون أن ينجز المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني في عهد ولايته. لذلك يسعى شارون إلى أن يفرض على الأمة العربية والشعوب الإسلامية الاستسلام على أساس اغتنام الفرصة في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له وفي مقدمتها الإدارة الأميركية الحالية. وحسابات الشعوب الحية تختلف عن حسابات قوى الشر في العالم، فالشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني، تتمسك بالثوابت النضالية المستندة إلى الحق والعدل والشرعية الدولية، ومدافعة عنها.