بدأت هذا الأسبوع الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبالتالي قد نسمع من جديد تيمتها الخطابية المعتادة حول «عملية السلام» الفلسطينية الإسرائيلية، حيث سيلقي المتحدثون المتعاقبون على المنبر الأممي خطابات يشددون فيها على الطابع الملح والاستعجالي لتسوية النزاع بشكل نهائي، وسيؤكد العديد منهم أن وقت القيام بذلك قد انقضى أو يكاد. وبما أنه سيلتقي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإن الرئيس دونالد ترامب قد ينضم إلى هذه الأصوات أيضاً. وعليه، فسيكون من المفيد تصحيح نظرتنا للوضع بخصوص نقطتين اثنتين: أولا؛ كلا، إن هذا ليس هو الوقت المناسب لصياغة اتفاق سلام شرق أوسطي. ثانياً؛ كلا، إن الوقت لاتفاق سلام من هذا النوع لم ينفد بعد. ورغم أنه سيكون من الجيد رؤية قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل «العديد من الزعماء الغربيين يرون أن شروط ذلك باتت ناضجة تقريباً» فإن الأمر لا يمكن أن يحدث الآن، لسبب بسيط هو أنه لا نتنياهو ولا عباس يريد أو يستطيع الموافقة عليه. ولعل فشل جهود أوباما، الذي أمضى ثماني سنوات في محاولة تحقيق تقدم ما في هذا الصدد، خير شاهد على ذلك. فعندما قدم لهما إطاراً للسلام صيغ بمشقة الأنفس في 2014، أثقله نتنياهو بالتحفظات والشروط، بينما امتنع عباس عن الرد عليه بكل بساطة. أوباما ووزير خارجيته جون كيري كانا يميلان للقول بأن نتنياهو يعمل على خلق «واقع دولة واحدة لا رجعة فيه» عبر مواصلة بناء المستوطنات. لكن لحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك، مثلما يُظهر مساعدٌ سابق لكيري، هو ديفيد ماكوفسكي الذي يعمل الآن باحثاً في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني»، والذي أشرف على مشروع لتوثيق كل مستوطنة إسرائيلية بصور الأقمار الصناعية، وإحصاء من يعيشون فيها، وتحديد المعارضين لاتفاق إسرائيلي فلسطيني من سكانها. وقد وفرت دراسته إضاءات ومعلومات جديدة ومهمة. ذلك أنه من أصل نحو 600 ألف مستوطن يعيشون خارج حدود أراضي 1948، هناك 94 ألفاً فقط خارج الجدار الحدودي الذي بنته إسرائيل عبر الضفة الغربية قبل عقد من الزمن. و20 ألفاً من هؤلاء فقط انتقلوا للعيش في تلك المستوطنات عندما عاد نتنياهو إلى السلطة، وفي بحر فلسطيني يضم 2.9 مليون نسمة، فإنهم لا يمثلون رقماً كبيراً جداً. ولو افترضنا أن الفلسطينيين قبلوا اليوم بالاتفاق الذي عرضه عليهم قبل تسع سنوات رئيسُ الوزراء الإسرائيلي وقتئذ إيهود أولمرت، أيْ دولة على 94.2? من الضفة الغربية، فإن 20? فقط من المستوطنين الحاليين سيجدون أنفسهم على الجانب الخطأ من الحدود، كما يقول ماكوفسكي. والمهم أن ما تُظهره بيانات الأقمار الصناعية حالياً هو أنه لم يفت الأوان بعد بالنسبة لحل الدولتين. وتبعاً لذلك، فإنه يجدر بسياسة أميركية ذكية أن تسعى للحفاظ على هذا الخيار إلى أن يَظهر زعماء إسرائيليون وفلسطينون يستطيعون الاشتغال عليه. وفي هذا الإطار، يقترح ماكوفسكي خطوة مقابل خطوة: أن يتوقف نتنياهو عن البناء في المناطق خارج جدار الضفة الغربية، وأن يكف عباس عن دفع المال للمقاتلين وعائلاتهم. صحيح أن مبعوثي ترامب حاولوا إقناع الطرفين بذلك ولم يحققوا شيئاً حتى الآن، لكن «الخبر السار»، يقول ماكوفسكي، «هو أن أياً من الزعيمين لا يريد أن يقول (لا) لترامب». وعليه، فإذا ركّز الرئيس الأميركي في لقاءات نيويورك على تحقيق نتائج براجماتية، بدلا من «الاتفاق الأكبر»، فإنه قد يحقق إنجازاً مهماً ومفيداً حقاً. جاكسون ديل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»