منذ أكثر من أربعة أشهر، لم يقم البيت الأبيض بقبول أوراق اعتماد أي سفير أوروبي، ولا بملء أي منصب دبلوماسي رفيع المستوى، ولا بإعطاء أي مؤشر على أنه سيفعل. بيد أن بعض المبعوثين الأميركيين، ومن بينهم نائب الرئيس ووزير الدفاع، انتقلوا إلى الجانب الآخر من الأطلسي لنقل رسائل التطمين، حيث أعادوا التأكيد على التزام أميركا بحلف شمال الأطلسي، وتحدثوا عن العلاقات القديمة والتحالفات القديمة، وألمحوا إلى أن لا شيء تغير. وقد استمع الأوروبيون إلى ما قالوه وتظاهروا بالتصديق. وقد أخبرني أحد هؤلاء، بعد أن استمع إلى كلمة نائب الرئيس في فبراير في ميونيخ، «إن كل ذلك صحيح إلى أن تصدر تغريدة جديدة من الرئيس الأميركي تتعلق بالحلف»؛ ولكن في غضون يومين قصيرين الأسبوع الماضي، أنهى الرئيس ترامب نفسه أشهر اللايقين تلك بدون تغريدة. واليوم بتنا نعرف: إن المبعوثين لا يمكن التعويل عليهم، وكل شيء تغير بالفعل. ولكن، ما الذي حدث حقا في بلجيكا وإيطاليا؟ بعد أن أعلن في السعودية أنه لن يعطي للزعماء العرب «دروساً» في حقوق الإنسان، وصل ترامب إلى بروكسل، وأخذ يعطي دروساً لأقرب حلفاء أميركا، قائلاً إنهم مدينون لـ«الناتو» ولدافعي الضرائب الأميركيين بـ«مبالغ هائلة من المال». وهو ما لم يكن منطقياً إلى حد ما: ذلك أن «الناتو» ليس نادياً برسوم اشتراك سنوية. وبعد بضع ساعات على ذلك، خلال الاجتماع حول التجارة، اشتكى ترامب من ألمانيا التي وصفها بـ«السيئة» بسبب «ملايين السيارات التي يبيعونها للولايات المتحدة»، وبدا أنه يرغب في إعادة كتابة الاتفاق التجاري الذي يربط أميركا مع ألمانيا. ولكن هذا لم يكن منطقيا أيضا: ذلك أن ألمانيا، وباعتبارها جزءاً من الاتحاد الأوروبي، لا تتفاوض حول اتفاقياتها التجارية الخاصة بها. وعلاوة على ذلك، فإن الشركات الألمانية تصنع «ملايين السيارات» داخل الولايات المتحدة، وهو نفس عدد السيارات التي يبيعونها فيها تقريباً. ولكن التصريحات أكدت أن الأيام التي كانت تتزعم فيها الولايات المتحدة العالم في التجارة قد ولت أيضا. وخلال خطابه في «الناتو»، لم يشر الرئيس الأميركي إلى الفصل الخامس، وهي المادة التي تُلزم أعضاء الحلف بالدفاع عن بعضهم بعضا في حال تعرض أحدهم لهجوم. ولاحقا قال إن زيارته ستعبِّد الطريق لــ«سلام عبر القوة»، مع أنه كان من الواضح أنه لم يتطرق للتفاصيل التي تعنيها فعلا تلك العبارة، التي استعملها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان في الثمانينيات: حيث أضاف قائلاً:«ستكون لدينا كثير من القوة، وسيكون لدينا كثير من السلام». وبعد نهاية الزيارة، سارع مساعدو الرئيس ليشرحوا ما الذي كان يقصده الرئيس بتلك الكلمات. وفي هذا السياق، خرج مستشار الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر ليؤكد أن ترامب يدعم الفصل الخامس؛ ولكن في هذه المرة لم يتظاهر أحد بالتصديق. ونتيجة لهذه الزيارة، يواجه النفوذ الأميركي، الذي كان يمارَس دائماً في أوروبا من خلال تحالفات عسكرية وتجارية مفيدة للطرفين، أصعب أوقاته خلال العقود الأخيرة. ذلك أن العلاقات الأميركية- الألمانية، التي تُعد جوهر التحالف العابر للأطلسي منذ أكثر من 70 سنة، هبطت إلى أدنى مستوياتها: فيوم الأحد، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لجمع من الأنصار إن ألمانيا لم يعد بإمكانها الاعتماد على أميركا، نظرا لما«مرت به خلال الأيام القليلة الماضية». وفي الأثناء، تبدو الحكومة الروسية، التي لطالما سعت إلى طرد الولايات المتحدة من القارة، سعيدةً للغاية. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة»واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"