لدى «المحافظين» الأميركيين شغف بالحديث عن الحرية.. فعلى سبيل المثال عنون «ميلتون فريدمان»، الرأسمالي الشهير، كتابه وبرنامجه التلفزيوني بـ«حرية الاختيار». والمتشددون في مجلس النواب، الذين يدفعون بقوة لتفكيك برنامج «أوباماكير» للرعاية الصحية بشكل كامل، يطلقون على أنفسهم اسم «لجنة الحرية». حسناً.. ولما لا؟ فعلى أية حال، أميركا مجتمع منفتح، ولكل شخص فيها حرية اختيار المكان الذي يعمل أو يعيش فيه. ويشمل ذلك الجميع، باستثناء 30 مليون موظف تشملهم اتفاقيات عدم المنافسة، الذين قد يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل إذا ما تخلوا عن وظائفهم الحالية؛ و52 مليون أميركي ممن لديهم ظروف صحية وسيعجزون تماماً عن الحصول على تأمين صحي بأنفسهم، ومن ثم مضطرون إلى التمسك بأرباب أعمالهم الحاليين، إذا ما مضت «لجنة الحرية» قدماً في سعيها، وملايين الأميركيين المكبلين بأعباء ديون التعليم الثقيلة وغيرها من الديون. والحقيقة هي أن الأميركيين، وخصوصاً العمال منهم، لا يشعرون على الإطلاق بتلك الحرية. وفي استطلاع عالمي للرأي أجراه معهد «جالوب»، تم توجيه سؤال لسكان عدد كبير من الدول، حول ما إذا كانوا يشعرون بأن لديهم «حرية الاختيار في حياتهم»، ولم تكن حال الولايات المتحدة تدعو للسرور، خصوصاً عند مقارنتها بدرجات الحرية الكبيرة التي تتمتع بها دول أوروبية لديها شبكة حماية اجتماعية قوية. وبالطبع، يمكن القول إننا نفقد مزيداً من الحرية بمرور الوقت. ودعونا نتحدث بداية عن اتفاقيات عدم المنافسة، والتي كانت موضوع مقال مهم ضمن سلسلة مقالات في صحيفة «نيويورك تايمز»، تناولت تقريراً من إدارة أوباما يدفع باتجاه تقييد تلك الاتفاقيات. وقد كان من المفترض أن تقتصر تلك الاتفاقيات على حماية الأسرار التجارية، ومن ثم المساعدة على تعزيز الإبداع والابتكار والاستثمار في تدريب الموظفين. فإذا افترضنا أن شركة تحاول تصنيع «مصيدة فئران» أفضل، ومن ثم استقطبت مهندسة جديدة متخصصة في هذا الأمر، فإن عقدها قد يتضمن بنداً يمنعها من مغادرة وظيفتها بعد بضعة أشهر لوظيفة أخرى لدى شركة منافسة، وذلك لأنه قد تكون لديها معلومات مهمة حصلت عليها من الشركة، وذلك أمر منطقي تماماً. ولكن على رغم من ذلك، أصبح الآن واحد من كل خمسة موظفين أميركيين يخضعون لبند عدم المنافسة. وبالطبع، لا يمكن أن يوجد عدد كبير من العمال بحوزتهم أسرار تجارية ذات قيمة كبيرة، ولاسيما عندما يكون كثير منهم يعملون في وظائف متدنية. وعلاوة على ذلك، تبدو شروط عدم المنافسة مثيرة للسخرية على نحو واسع النطاق، كما لو أنها تحظر على «مهندستنا المفترضة المتخصصة في تصنيع مصائد الفئران» السعي للعمل لدى أية شركة تصنيع أخرى، أو أية وظيفة تستغل فيها مهاراتها الهندسية. وبعبارة أخرى، في كثير من الحالات، لا تستهدف بنود عدم المنافسة حماية الأسرار التجارية، وإنما يكون الهدف منها هو ربط الموظفين بأصحاب عملهم الحاليين، ليصبحوا عاجزين عن المطالبة بأجور أعلى أو الانتقال لوظائف أفضل. ولا ينبغي أن يحدث ذلك في الولايات المتحدة، ولكي أكون منصفاً، تحدث بعض السياسيين من كلا الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» عن ضرورة التغيير، غير أن هناك جانباً آخر لتراجع حريات العمال، ألا وهو الرعاية الصحية. فحتى عام 2014، كانت هناك طريقة واحدة يمكن من خلالها للأميركيين دون الـ65 عاماً، ممن يعانون من ظروف صحية خاصة، الحصول على تأمين صحي ألا وهي: أن يرغب صاحب العمل في تقديم تغطية لهم. وقد كان بعض أصحاب الأعمال يرغبون في فعل ذلك بسبب الامتيازات الضريبية الكبيرة التي يحصلون عليها، إذ لا تعتبر أقساط التأمين من ضمن الدخل الخاضع للضرائب، وللحصول على تلك الامتيازات يجب أن يقدم صاحب العمل التغطية ذاتها لكل الموظفين، بغض النظر عن تاريخهم الطبي. ومن مساوئ ذلك النظام، أنه إذا أراد الموظف تغيير عمله، أو بدء عمل مستقل، فإنه يواجه مشكلات في التغطية الصحية. وعندما، بدأ العمل بقانون «أوباماكير»، ضامناً الرعاية المحتملة حتى لمن يعانون من ظروف صحية خاصة، فإن ذلك أتاح لملايين الأميركيين حرية تغيير وظائفهم، وإن لم يستغلوها. غير أن تلك الحرية ربما لن تستمر طويلاً، فمع سنّ «قانون الرعاية الصحية الأميركية» الجديد، ستتقلص حماية الأميركيين أصحاب الظروف الصحية. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»