لم تحظَ أول زيارة خارجية قام بها رئيس أميركي بمثل هذا الزخم والتغطية من وسائل الإعلام الأميركية والعربية والدولية، وهو ما تحظى به الآن زيارة الرئيس دونالد ترامب بعد أربعة أشهر من تسلمه الرئاسة. وأولى محطاته في الرياض التي أتاها مغرداً بأنه ذاهب لخدمة مصالح أميركا. واختيار ترامب للرياض، محطة أولى في جولته الخارجية الأولى هذه، يدلل على مكانة السعودية على الساحة الدولية، وقد علق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد استقباله ترامب، بأنه يرحب بالرئيس الأميركي في المملكة، والزيارة التاريخية ستحقق الأمن والاستقرار في العالم. وقد أكد ترامب، الذي يضع كأولوية هزيمة تنظيم «داعش»، ولاحقاً مواجهة تحدي نظام الأسد، الحاجة لإشراك الحلفاء في الدول الإسلامية في الحرب على «داعش»، وهذا ما كرره مع القادة العرب الذين اجتمع أو اتصل بهم، مشيراً إلى أهمية المشاركة في مواجهة خطر «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية. ولذا فإن زيارة ترامب والقمم الثلاث التي سيشارك فيها مع القيادة السعودية، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، والقمة العربية- الإسلامية- الأميركية التي ستجمعه مع قادة أكثر من خمسين دولة عربية ومسلمة، ستكون فرصة لطمأنة القادة المسلمين الأعضاء في التحالف الإسلامي العسكري «الناتو الإسلامي»، ولفتح صفحة جديدة بين أميركا والعالم الإسلامي، وتوضيح مواقفه في الخطاب الذي سيلقيه عن مواجهة التطرف والإرهاب. ويهدف ترامب لتشكيل تحالف، وجبهة عريضة، لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف. وهي نقطة تحول وانتقال مهمة، يؤمل أن تُنهي فترة الجمود والخلافات الاستراتيجية حول القضايا المصيرية من «الربيع العربي»، والانفتاح نحو إيران وغض النظر الأميركي الضمني عن الفوضى والعنف ونشر الطائفية وتهديد مصالح الحلفاء وتدخل طهران عن طريق حلفائها في الشأن الداخلي لدول المنطقة، والتفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية. وقد طفت الخلافات للعلن بين الحلفاء الخليجيين وإدارة أوباما السابقة، حول هذه الأمور. ويسعى ترامب لطمأنة الحلفاء بتوقيع اتفاقيات أمنية ودفاعية تصل لـ100 مليار دولار لهذا العام، وترتفع إلى 350 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة. بالإضافة إلى شراكات تنموية مع القطاع الخاص الأميركي تصل إلى 200 مليار دولار، واتفاقيات بين «أرامكو» وشركات طاقة أميركية قد تصل إلى 50 مليار دولار. ونقل وتوطين التقنية العسكرية للسعودية لتجميع وتصنيع الأسلحة مثل مروحيات «بلاك هوك» بقيمة 6 مليارات دولار. واضح أن كلا الطرفين يسعى لتعزيز الشراكة الأميركية - السعودية، والأميركية- الخليجية، حيث التقى ترامب قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ثنائياً وجماعياً، وهي فرصة للتعارف الشخصي من كثب بين الزعماء الخليجيين والرئيس ترامب. وهذا سيسهم في تشكيل شراكة وتحالف في مواجهة التطرف والإرهاب ومشروع إيران التوسعي ونفوذها عبر حلفائها، وتوسيع تصنيف المليشيات والتنظيمات الإرهابية بغض النظر عن نوعها ومرجعيتها. وكذلك هناك حاجة لتوضيح موقف إدارة ترامب من أزمات المنطقة المشتعلة من سوريا ومستقبل الأسد، إلى العراق ودور المليشيات الطائفية ومستقبل «الحشد الشعبي» الذي صرح أكثر من قيادي فيه باستهداف دول الخليج. ودور إدارة ترامب في اليمن وتفعيل الحل السلمي، والتعامل بجدية مع الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح. والمطلوب خليجياً الحديث بلسان واحد، وتوضيح حجم التهديدات والتحديات، وعلى الحلفاء أن يوضحوا لترامب أهمية وفوائد الشراكة الخليجية التي لا تكلف دافعي الضرائب الأميركيين سنتاً واحداً. كما ينبغي أن توضح لترامب مساهمة الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأميركي، وسندات الخزينة، وحجم الثروات السيادية المستثمرة في الولايات المتحدة، والتي تقدر بتريليونات الدولارات، حيث توظف تلك الاستثمارات الخليجية ملايين الأميركيين، خاصة مع زيادة حجم الاستثمارات مستقبلياً. فهذه اللغة ينبغي أن تكون واضحة لترامب، رجل الأعمال والصفقات، الذي يفهم العلاقة من منظور الصفقات والربح، أكثر من منظور استراتيجي. وأن المصالح طريق باتجاهين. ولكن التحدي الحقيقي هو كيف سيتجاوز ترامب تركة سنوات أوباما الثماني العجاف لاستعادة الثقة في دور أميركا، التي تريد أن تستعيد دور القيادة والزعامة، وطمأنة الحلفاء حول القضايا الاستراتيجية، خاصة مواجهة تدخلات إيران وأذرعها، وصياغة استراتيجية قابلة للتطبيق تحتويها في صراعنا ضمن مناخ الحرب الباردة، وكذلك تقديم استراتيجية واضحة لهزيمة تنظيم «داعش». وماذا بعد تنظيم «داعش» في الموصل والرقة؟ وماذا عن التنظيمات والمليشيات الإرهابية الأخرى؟ وذلك بهدف طمأنة الحلفاء وإثارة قلق الخصوم والأعداء. وهذا بالتأكيد عكس استراتيجية أوباما التي أقلقت الحلفاء وأراحت الخصوم والأعداء.