احتفل العالم في الثالث من مايو الحالي باليوم العالمي لحرية الصحافة، بينما تُواجه الصحافة مآزقَ كبيرة في العديد من دول العالم. وكانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد أعلنت عن هذا اليوم عام 1993، كفرصة لإبلاغ سكان العالم بما يتعلق بالأوضاع الصحفية، خصوصاً انتهاكات حرية الصحافة وجبروت بعض قوانين المطبوعات المُكبلة لحرية الصحافة، ناهيك عن الإغلاق التعسفي للعديد من الصحف، وتعرّض الصحافيين لمضايقات قد تصل حد القتل أو الاعتقال التعسفي. وقد تم نشر أسماء الدول الأقل رعاية لحرية الصحافة، وهي عشر دول: كوريا الشمالية، إرتيريا، تركمانستان، سوريا، الصين، فيتنام، السودان، كوبا، جيبوتي، غينيا الاستوائية. لكن هذا لا يعني أن الصحافة في بقية دول العالم تعيش في «مدينة فاضلة»، بل هناك حالات تعدٍّ على الحريات قد لا تعلن ولا يعلم عنها الكثيرين، رغم الثورة المعلوماتية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وجاء في تقرير الحريات الإعلامية أن 58 صحافياً قُتلوا عام 2016، منهم 30 قتلهم تنظيم (داعش)، وأن 70% من الصحافيين قُتلوا عمداً وتم إعدامهم بالرصاص من قبل التنظيم وبشكل علني، وسجّل التقرير نحو 4 آلاف انتهاك تعرّض لها الإعلاميون في العالم العربي خلال 2015. وكان نصيب الصحفيين في فلسطين هو الأعلى، وذلك على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي. كما تعرّض نحو 400 صحفي للاعتداء الجسدي، وأصيب مئات بجروح في ساحات الحرب، وآخرون تعرضوا لسوء المعاملة والسجن والتوقيف، والتهديد بالقتل. كما أظهر التقرير تعرّض نحو 2410 صحافيين وإعلاميين للانتهاكات والاعتداءات. أما المؤسسات الإعلامية التي تعرضت مكاتبها لاقتحامات أو اعتداءات، فبلغ عددها 222 مؤسسة إعلامية. ويلاحظ أن الاجتراء على حرية الصحافة لا يتم فقط في الأماكن الملتهبة أو البلدان ذات الأنظمة الديكتاتورية، بل هناك دول راسخة وأنظمة مستقرة، لكن قوانينها الصحفية تفرض قيوداً واضحة على حرية التعبير، وهذا ما يؤثر على خطط التنمية فيها. فكثير من الدول تُرسل صحفيين أبرياء إلى السجون، دون وجود تهمة أو جناية ارتكبها الصحفي سوى أنه كشف حقيقة «عكّرت» مزاج السلطة! ومعظم دول العالم الثالث تجعل من حرية الصحافة دعاية موجهةً للخارج. وقد أوردت مذكرة صادرة في جاكرتا (إندونيسيا) يوم 4 مايو الجاري، ما يلي: «اعترفت خطة التنمية الأممية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدتها بالإجماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة في سبتمبر 2015، بدور وسائل الإعلام في تعزيز الإدارة الرشيدة والتنمية.. واعترفت أهداف التنمية المستدامة بأهمية انتفاع الجمهور بالمعلومات والتمتع بالحريات الأساسية، وضمنها حرية التعبير». وفي هذه المذكرة قالت «فيث بانسي تلاكولا»، المقرر الخاص المعني بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إنه «لا بد من التزام قوي يجعل من حرية التعبير والوصول إلى المعلومات حقيقة واقعية وليس مجرد كلمات على الورق». وترى المذكرة أن تحقيق العدالة شرط لازمٌ لحرية التعبير والتنمية المستدامة؛ لأنه عبر سيادة القانون تتم محاسبة الأطراف الفاعلة في المجتمع على أعمالها. ولن يتحقق ذلك إلا في ظل صحافة حرة ومستقلة، تؤكد تطبيق القانون وتحقيق سيادته واحترامه». الصحافة الحرة ترفض البقاء أسيرة القضبان، أو «تفصيل» حريتها عند خياطي الحكومات، وهم خياطون غالباً ما يسعون لتضييق الثوب على الصحفي، بغية شل حركته، وإشاعة حالة من الخوف والترقب لديه، ما يجعله يقارن بين كشفه للحقيقة وبين رميه وراء القضبان! الصحافي إنسان مهني يسعى إلى الحقيقة، ولا بد من تسهيل مهمته، لا اعتقاله أو مصادرة حريته وإرساله وراء القضبان؛ لأنه كشف حقيقة، أو قال رأياً يراهُ من منظوره المهني حقاً. والصحفيون الذين ينقلون لنا أحداث الحروب ويعرضون أنفسهم للمخاطر، تتعين حمايتهم من جميع الأطراف، ولا يجوز الاستقواء عليهم بمصادرة آلاتهم وكاميراتهم أو مصادرة حرياتهم.