ظهر باراك أوباما إلى واجهة الأحداث من جديد. فبعد فترة استرخاء لمدة ثلاثة أشهر قضاها مع الأغنياء والمشاهير، تحدث الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، إلى طلاب في جامعة شيكاغو. وفي يوم الأحد المقبل سيتلقى جائزة «صورة الشجاعة» للرئيس جون كينيدي في بوسطن احتفالاً بالذكرى المئوية لميلاد الرئيس الأميركي الراحل. وفي الأشهر المقبلة يزور أوباما ألمانيا بين زيارات خارجية أخرى بعضها يمثل مشاركة في المجال السياسي، وبعضها الآخر لجذب الانتباه إلى جهود بناء مؤسسته ومكتبته. وأوباما هو أشهر سياسي في أميركا. وهو يبدو عملاقاً أمام زعماء الحزب الديمقراطي في الكونجرس. وهو أول رئيس سابق منذ تيودور روزفلت يؤهله صغر سنه وحيويته لأن يستمر في التأثير بقوة في الجدل العام. ومن يعرفون أوباما يعتقدون أنه سيتوخى بعض الحذر. فهو لن يدخل في خصام علني مع الرئيس دونالد ترامب. صحيح أن الرؤساء دأبوا عادة على إلقاء اللائمة على سابقيهم في المنصب فيما يواجهونه من مشكلات، ولكن ترامب ذهب في هذا الشأن مذهباً بعيداً من النقد اللاذع لسابقيه. ومساعدو أوباما يؤكدون أنه لن يلتقم هذا الطعم. وهو يعتقد أنه يتعين على الديمقراطيين الدفع بأصوات جديدة وشابة، وألا يستحوذ هو على جانب كبير من الحيز السياسي. ويُتهم أوباما عادة بالتقصير، حين كان رئيساً، في بناء الحزب وإفساح المجال للمواهب الشابة فيه. وقد عارض أوباما حظر ترامب على دخول مواطني الدول المسلمة السبع في وقت سابق هذا العام، ويعتزم تناول عدة قضايا يعتقد أنها تتجاوز الخلافات الحزبية. وفي مقدوره التصدي لبعض القضايا معارضاً لترامب مباشرة كما فعل في قضية الهجرة في حديثة مع الطلاب في شيكاغو. وكلمته في مكتبة كينيدي توفر له فرصة للحديث عن قيم التسامح والشجاعة ونقاش قضايا صعبة مثل الحقوق المدنية والهجرة. وهو يعتزم معاونة وزير العدل السابق في إدارته أريك هولدر في مسعى لمساعدة الديمقراطيين على المنافسة بقوة في الانتخابات النصفية، مع الاهتمام بمعالجة الخلل في تقسيم الدوائر في انتخابات الكونجرس وعلى مستوى الولايات. ومثل معظم أسلافه سيكون هناك إقبال كبير على أوباما كجامع للتمويل، وقد يشارك أيضاً بقوة في الحملات الانتخابية المهمة لعام 2018، بينما سينأى بنفسه عن مناورات ترشيح الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن المحتمل أن يلعب دوراً حيوياً في تطييب الخواطر بين الأجنحة المختلفة في الحزب بقدرته المعهودة على ترويض العناصر المتطرفة والأكثر إثارة للشقاق. وقد ظهرت الحاجة لهذه القدرة خلال الشهر الجاري بعد أن شارك السيناتور بيرني ساندرز في حملة لصالح مرشح ديمقراطي ليبرالي لمنصب رئيس بلدية أوماها، بولاية نبراسكا. في حين احتج المدافعون عن حقوق الإجهاض على المرشح، وهو «هيث ميلو»، رفضاً لرأيه في قضية الإجهاض. كما أعلن أيضاً «توم بريز»، رئيس الحزب الديمقراطي، أنه لا مكان في الحزب للمرشحين الذين لا يؤيدون حق النساء في الإجهاض. وفي سباق آخر، قاوم أيضاً ساندرز في بداية الأمر تأييد المرشح الديمقراطي في انتخابات خاصة لمقعد في المجلس النيابي في جورجيا لعدم تقدميته الكافية. ويريد بعض المعتدلين وديمقراطيو «وول ستريت» كذلك تقليص الدور الذي يلعبه ساندرز والسيناتورة إليزابيث وارين في الحزب. ويعلم أوباما أنه إذا استبعد الديمقراطيون شخصاً تقدمياً من الناحية الاقتصادية من رئاسة بلدية أوماها بسبب موقفه من الحق في الإجهاض، أو معارضة مرشح معتدل من الجنوب قادر على إلحاق الهزيمة بجمهوري محافظ، فإن الديمقراطيين سيظلون في موقع حزب الأقلية لفترة طويلة. ووارين وساندرز مؤثران للغاية في الحزب الديمقراطي، ومحاولة الحد من دورهما تقلص من الحماس في القاعدة الشعبية المناهضة لترامب. ولطالما أكد أوباما على أفكار الانفتاح والتسامح، وهذه القيم مهمة اليوم حين نجد أشخاصاً من اليسار يحاولون منع متحدثين من اليمين من دخول الحرم الجامعي. ويستطيع أوباما أن يروج لهذه الأفكار لدى الناخبين الشبان الذين يتمتع في أوساطهم بشعبية خاصة. فهناك 61% من الشبان تصنف نظرتهم تجاهه على أنها إيجابية، بينما نسبة من لا يؤيدونه لا تزيد على 19% فقط وفقاً لأحدث استطلاع رأي لـ«وول ستريت جورنال» و«إن. بي. سي. نيوز». وقد تعرض أوباما لانتقادات لاعتزامه قبول 400 ألف دولار لإلقاء كلمة لصالح شركة استثمار. وإلقاء القليل من الخطب مدفوعة الأجر لهذا الرجل الثري بالفعل لا بأس به، ولكن يجب ألا يتحول إلى مجرد شخص يجمع المال بهذه الطريقة التي ورطت آل كلينتون في متاعب سياسية. ونفوذ أوباما اليوم كبير، وقد يتزايد ما دام خصمه الجمهوري الرئيس ترامب في السلطة. ألبرت هانت كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»