ضمن مفاجآت الرئيس «دونالد ترامب»، كان إعلانه عن إرسال بعض القوات إلى الصومال، وارتبط ذلك بادعاءات المساعدة في بناء الجيش الصومالي، ومواجهة العمليات الإرهابية الأخيرة التي تقوم بها «منظمة الشباب»، والتي تصاعدت فجأة بشكل استعراضي عقب انتخاب الرئيس «محمد عبد الله فارماجو» في فبراير الماضي، وسرعان ما تصاعدت الحملات التقليدية لتتويج حدث معين في العالم الثالث، ربما للإلهاء عن أحداث كبرى أهم، فثمة أخبار متتابعة عن «المجاعة في الصومال» نتيجة الجفاف... الخ، وزيارة للأمين العام للأمم المتحدة للصومال تعاطفاً مع الجوعى، مع أن الأخبار تقول إن ظروفاً اقتصادية أفضل تحيط بالصومال تحويلات الصوماليين في الخارج تصل إلى 1.2 مليار دولار، وتصل للأسر في أنحاء الصومال، وأكبر أموال تدفقت على الصومال من قِبل الأتراك ودول الخليج، والأميركيين بالطبع، بحيث ترصد بعض المصادر التركية في أجواء تفاخرها الإمبراطوري الأرقام الشهرية للعاملين، ومرتبات خبرائها العسكريين والإداريين.. كما أن التنافس على دعم هذا المرشح، أو ذاك للرئاسة وخاصة بين «شيرماركي» و«فارماجو»، مما صب بالتأكيد أموالاً غذت الحياة اليومية في الشارع الصومالي، ويبدو أن كثرة المتنافسين، قد فتحت شهية عصابات القراصنة، ومن يقفون وراء تحريكهم ليعودوا بقوة، فوجدنا نشاطاً ملحوظاً في المحيط الهندي، جعل الصين والهند أطرافاً في صراعها، فضلاً عن قلق المتحاربين في جنوب البحر الأحمر، مما يجعل قضايا استراتيجيات البحر الأحمر والمحيط الهندي في بؤرة اهتمام دول خليجية، يؤسفنا ألا تنسق بعناية بين كافة دول البحر الأحمر، وباب المندب التي ترابض فيه قوات مصرية، بينما تسعى إسرائيل لمحاصرته والبحث عن دور فيه عند قمته في صنافير وتيران. يجد الرئيس الصومالي الجديد «محمد فارماجو» نفسه بين عدة مطارق وسندانات! ففي الاحتفال بتنصيبه رئيساً (22 فبراير)، يحضره رؤساء إثيوبيا وجيبوتي وكينيا بالإضافة لممثلي مصر وغيرها، كما يجد نفسه بين سعادة الأميركيين، وتهنئة أميركية حارة، فيرسل بطلب العون من الرئاسة الأميركية التي تستجيب بالخبراء وبعض القوات، كما يريد التصالح مع كل الدول العربية فيقبل مساعي «جيلي» من جيبوتي. الأمر بدأ يتعقد قلقاً من اتصالات عربية مع «صوماليلاند» وتفضيلها مع جيبوتي عن الصومال في مشروعات كبيرة.. (سدود لتخزين مياه لجيبوتي من الأوجادين بأكثر من 300 مليون دولار)، واهتمام بميناء «بربرة» ممتداً لميناء «عصب» في إريتريا، مما يجعل الرجل والمحيطين به قلقين على خططه الطموحة لإدارة موضوع الوحدة الصومالية الكبرى، إزاء ثلاث مناطق انفصالية داخل إقليمه بالإضافة إلى «صوماليلاند» (هرجيسا)، التي بدأت تحظى باعترافات خطيرة بوجودها دولياً وعربياً... لكنه مطمئن إلى التوازن الأهم الذي تم في انتخابه بتوافق القبائل الأربع الكبرى وأكثر من مائة عشيرة صغيرة، يربط بينها الآن نوع من القيادات السلفية لا الليبرالية. و«فارماجو» يواجه منافسة متصاعدة من جانب تركيا وإثيوبيا مع المجموعة العربية، ومن جانب الصين مع المجموعة الأوروبية، وكلها حول رغبات جامحة في بناء المواني والقواعد العسكرية، وأحدثها موضوع القرصنة الذي سيكون لعبة مجددة في يد الجميع، كما استمر من قبل لمدة خمس سنوات، بسبب البحث عن الذهب والبترول ومشروعات تأمين المحيط الهندي ومدخل البحر الأحمر. ومخاوف الرئيس الصومالي المباشرة الآن ناتجة عن إثارته لعدم قبول التدخل الأجنبي، وعودة نغمة الوحدة الصومالية على يد رجل متعلم تعليماً حديثاً مثله! وهو في ظني أنه لا يقصد الدولي منه، ولكنه بدأ يتشكك في مهمة قوات الاتحاد الأفريقي التي لا تتعاون جيداً في تأمين البلاد، وتخضع لمنافسات تشتد بين إثيوبيا وكينيا وتنتهي بالشك في نواياه الإسلامية أو العربية بوجه خاص (فضلاً عن وجود الكامن منها عند أوغندا وبوروندي)، ولذا أرسل بعثات طمأنة إلى إثيوبيا وكينيا بمناسبة الحديث عن احتفال قوات الاتحاد الأفريقي بمرور عشر سنوات على وجودها. الرجل اعتمد في القاعدة الشعبية على قدر من السلفية ممن تراهم النظم بديلاً للتطرف، أو «الإخوان» أحياناً ممن يخشى وصولهم إلى الصومال، كما يعتمد، على دعم «شباب الدياسبورا» الخارج ممن يعلنون عن ترحيبهم به، بل ويبدو أنهم دفعوا جناحاً من منظمة الشباب لطمأنته (تصريحات مختار روبو (أبو منصور) رغم عمليات التفجير الأخيرة. الصومال الآن مهيأ لإعلان «استعادة الدولة» أو ما تسميه الصحف الأميركية وبعض المراكز الصومالية الانتقال من «الدولة الفاشلة» إلى «الدولة الهشة»، ويحتاج ذلك إلى إغرائه بعالم عربي متماسك نسبياً تجاهه، لأن الصين والأتراك والإثيوبيين لا يرحمون، وهو لا يتحمل شرط التوازن بين «السنة والشيعة» ومعسكراتهما، ولا صراعات حوض النيل والقرن الأفريقي، وعلى هؤلاء جميعاً أن يتدارسوا الأمور بموضوعية، لأن هناك استعدادات حقيقية لإعادة بناء الصومال.