بعد أسبوع واحد من تحرير منطقة ذباب، وميناء المخا، المطلّان على مضيق باب المندب في البحر الأحمر، قامت قوات الحوثي وصالح باستهداف فرقاطة «المدينة» السعودية على مقربة من ميناء الحديدة اليمني، وهو المنفذ الرئيس الوحيد للعاصمة صنعاء على البحر الأحمر. واستشهد في الغارة البحرية على السفينة السعودية بحّاران سعوديان، كما نجح البحارة السعوديون الآخرون في إطفاء النيران بعد اصطدام القوارب الحوثية بمؤخرة السفينة، وقيادة السفينة وطاقمها بأمان إلى المياه البحرية السعودية. وتكمن أهمية ميناء المخا في كونه متّصلاً بشكلٍ استراتيجي بمدينة تعز المحاصرة من قِبل قوات الحوثي. ويبعد عن تعز بحوالي 106 كيلومترات، وعن الحديدة بحوالي 183 كيلومتراً، وعن رأس باب المندب بـ85 كيلومتراً. وبتأمين منطقة ذباب والمخا واتصالهما المباشر بقوات الحكومة الشرعية في منطقة «البهية» غرب عدن، فإن جزءاً من الشريط الساحلي الغربي لليمن المطلّ على مضيق باب المندب الاستراتيجي يكون قد تمّ تأمينه بشكلٍ كبير ضد الهجمات الحوثية على السفن العابرة للمضيق الاستراتيجي. واليمن بتاريخه الطويل وبفقر جزء كبير من أبناء شعبه، خاصةً في الشمال، تعوّد على الصراع كجزء من حياته اليومية. وهناك أمراء حرب في اليمن يرغبون في مواصلة الصراع إلى أمد غير محدود، لأنهم يستفيدون من هذا النزاع ولا يريدون له أن ينتهي. ولذلك، فإنه حري بالحكومة الشرعية لليمن التفكير جليّاً في التوصّل إلى حلول سلمية تنهي سيطرة الحوثي وعلي عبدالله صالح على الحكم في البلاد. وقد طلبت الحكومة الشرعية نقل مقر مجلس النواب اليمني إلى عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية. وإذا ما تمّ ذلك فإن هذا يزيد من شرعية حكومة هادي، ويعطيها دعماً أكبر في مفاوضاتها مع الجانب الحوثي. والمطلوب الآن هو تفعيل أعمال مجلس النواب اليمني في مقره الجديد وطرح عدد من المبادرات المرتكزة على مبادئ الحوار الوطني، بحيث يتم فرضها على الانقلابيين. وربما يتم بالتوازي مع ذلك جمع مؤتمر شعبي، يجمع رؤساء القبائل اليمنية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في اليمن للتوصل إلى بدائل سياسية، تكون أساساً لحلّ شامل في البلاد. وإذا ما استمرّت الحرب الحالية في اليمن، واستقرّت الأوضاع في الجنوب، في مقابل ما نشهده من جمود سياسي في الشمال، فإن هناك احتمالاً كبيراً لانفصال اليمن إلى دولتين، شمالية وجنوبية. ولا شكّ أنّ ذلك ليس في مصلحة اليمن، وليس في مصلحة التحالف العربي، لأنه سيزيد من فرص التناحر والشقاق بين شطري البلاد، ويفتح الباب على مصراعيه لتدخّل دول أجنبية في الصراع اليمني. وبالتالي، لا يتحقق الهدف الأسمى للحكومة الشرعية ولقوى التحالف العربي من تحرير اليمن وإعادته إلى حاضنته العربية، بدلاً من الارتماء في أحضان القوى الطائفية الإيرانية. وبمهاجمة السفن العابرة للممر المائي في مضيق باب المندب، (ثلاث محاولات خلال عامين)، تكون قوات الحوثي وصالح قد دوّلت الوضع اليمني، وهو أمر في غير صالحها. لأنّ الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، لن تقبل أبداً بمضايقة السفن التجارية أو العسكرية التي تمر عبر هذا المضيق. وحين استخدم الحوثيون هذا السلاح لجذب الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، كانوا يأملون تبنّي جون كيري (وزير الخارجية الأميركي السابق) لجزء من مواقفهم، لتحييد التهديد الذي يمثّلونه على خطوط الملاحة. أما اليوم، وفي عهد ترامب، فذلك سيكون غير مقبول من إدارته، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة سترى أنّ الحوثيين وصالح يمثلان أعداءً لمصالح الولايات المتحدة، مثلما تمثّل «القاعدة» وأخواتها أعداءً مباشرين لها. وهكذا، فإن ضغط التحالف العربي والحكومة الشرعية، والآن القوى الدولية، على الحوثي، باعتباره خارجاً عن القانون في اليمن، وحليفاً لإيران، سيُجبر الحوثي وصالح على إعادة رسم سياساتهم، وسيضطرّون إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع المبعوث الدولي، وتقديم تنازلات حقيقية. د. صالح عبد الرحمن المانع* * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود