تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية هو أحد أكبر التحديات في عصرنا الحالي. وإمارة أبوظبي تسهم في تغير المناخ عن طريق انبعاثات الغازات الدفيئة، كما سيكون لتغير المناخ آثار سلبية مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات في الظروف الجوية السائدة. ولأننا نعيش في عالم مترابط سنتأثر أيضاً بآثار تغير المناخ الواقعة على الدول الأخرى التي تربطنا بها علاقات تجارية كتجارة السلع وبشكل خاص الغذاء. في ديسمبر 2015 اجتمعت الدول للتفاوض على اتفاق باريس للمناخ. وقد وقّعت هذه الاتفاقية أكثر من 180 دولة، وفي وقت سابق من هذا الشهر صادقت على الاتفاقية الولايات المتحدة الأميركية والصين، وهما من أكثر الدول الملوثة للبيئة في العالم، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، وأول عضو في منظمة «أوبك» تقوم بالمصادقة عليها. وهذه خطوة مهمة جداً، حيث تمهد الطريق أمام الدول الأخرى للمصادقة على الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ. وتهدف اتفاقية باريس إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود لئلا تتجاوز 1.5 درجة مئوية. ومن المؤمَّل أن يكون هذا كافياً لتجنب أسوأ الآثار السلبية لتغير المناخ. وستتحقق هذه الأهداف من خلال التزام الدول بتنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً، وتقديم تقاريرها للأمم المتحدة. ولوضع برنامج فعال للحد من الانبعاثات نحن بحاجة أولاً إلى فهم مصادر الانبعاثات. وفي أبوظبي تقوم (هيئة البيئة - أبوظبي) بتنفيذ جرد لانبعاثات الغازات الدفيئة بدعم من شركائها في القطاعات الرئيسية المسببة للانبعاثات وغيرها من الجهات الحكومية. وينتج عن هذه الشراكة، كل سنتين، قائمة محدثة لجرد انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتم رفعها لوزارة التغير المناخي والبيئة لدعم جهودها الرامية لإعداد تقرير عن انبعاثات الغازات الدفيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة للإيفاء بمتطلبات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. في الأسبوع الماضي، نشرت (هيئة البيئة - أبوظبي) نتائج التقرير الثاني لمشروع جرد انبعاثات الغازات الدفيئة في الإمارة، باستخدام بيانات عام 2012، واستناداً إلى نهج الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ. ومن خلال جمع البيانات الدقيقة وتحليلها، تم حساب الانبعاثات لكل قطاع من أسفل إلى أعلى (منهج التحليل التصاعدي)، على أساس الانبعاثات الفعلية، وبالعمل بشكل مباشر مع القطاعات الرئيسية المسببة للانبعاثات. واستناداً إلى مبدأ «لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه»، تم اعتماد هذا النهج الشامل لضمان تنمية القدرات، وتعزيز الفهم داخل القطاعات المسببة للانبعاثات لدعم عملية الرصد في المستقبل، وتقديم التقارير وتنفيذ مبادرات للحد من الانبعاثات. وقد كشف لنا التقرير أن مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة المباشرة في إمارة أبوظبي ارتفع من 99 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2010 إلى 115 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2012، مما يعكس على نطاق واسع النمو الاقتصادي والسكاني خلال هذه الفترة. وكانت مساهمة قطاع الطاقة، الذي يضم إنتاج الكهرباء والمياه والنفط والغاز والتصنيع والنقل، هي المهيمنة في هذه الانبعاثات بنسبة تصل إلى 74.1? من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في الإمارة خلال عام 2012. كما زادت الانبعاثات عند قياسها بالنسبة إلى الفرد أو على أساس الناتج المحلي الإجمالي، فكانت مرتفعة بالمقارنة مع الدول الأخرى. وفي حين أن مساهمتنا في كمية الانبعاثات العالمية تعتبر صغيرة بشكل عام، إلا أنه من المهم أن نحسن كفاءة استخدامنا للموارد، ونحد من انبعاثاتنا لنعزز من سمعتنا العالمية ونحافظ على ريادتنا في مجال الاستدامة، ونزيد من قدرتنا التنافسية الاقتصادية، في إطار العمل على تنويع اقتصادنا. كذلك فإن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة يحقق فوائد إضافية مثل تحسين نوعية الهواء، حيث إنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية وما أكدته تقديراتنا محلياً في هيئة البيئة - أبوظبي في ما يتعلق بعبء الأمراض، تعتبر جودة الهواء من العوامل البيئية الرئيسية التي تؤثر على صحة الإنسان. وللحد من الانبعاثات نحتاج إلى التركيز على وضع السياسات التي تعالج كيفية إنتاج واستهلاك المياه والكهرباء، وتحسين كفاءة إنتاجنا من النفط والغاز، وإدارة النقل والعمليات التوسعية المدنية، وتشجيع الابتكار في الصناعات التحويلية في إدارة انبعاثاتنا والوفاء بالتزامنا لمكافحة تغير المناخ. واستناداً إلى تحليل قوائم جرد الغازات الدفيئة، وبالتركيز على سياسات أبوظبي الريادية، فنحن لدينا فرص سانحة لخفض الانبعاثات المستقبلية تقدر بنحو 40% في عام 2030 بالمقارنة بالمسار الحالي للانبعاثات. وقد تم بالفعل إنجاز الكثير في هذه المجالات. ففي مجال ترشيد الاستهلاك أسهمت الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة وتخفيض الدعم على المياه والكهرباء في إحداث تأثيرات إيجابية على أنماط الاستهلاك. كذلك تقود هيئة مياه وكهرباء أبوظبي جهودنا الرامية لتنويع مصادر الطاقة من خلال الشراكة مع «مصدر» وشركة الإمارات للطاقة النووية. وفي مجال النفط والغاز، جددت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التزامها بكفاءة الإنتاج واستخدام تقنيات الحد من حرق الغاز. وتعمل «أدنوك» في مشروع مشترك مع «مصدر» و«الإمارات للحديد» لتنفيذ مشروع التقاط الكربون واستخدامه وحجزه بعد التجربة الناجحة في منشأة الإمارات لصناعات الحديد بالمصفح. وفي مجال النقل، تعمل دائرة الشؤون البلدية والنقل مع (هيئة البيئة - أبوظبي) وغيرها من الشركاء لوضع خطة شاملة للنقل البري واستراتيجية للمركبات منخفضة الانبعاثات. فوجود شبكة نقل أكثر استدامة لا يحد فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة ولكن يجعل مدننا أكثر ملاءمة للعيش فيها. ونحن بحاجة إلى الحفاظ على جهودنا وتكثيفها، وكذلك ضمان قدر أكبر من التنسيق والتعاون بين القطاعات الرئيسية المساهمة في الانبعاثات. كذلك يتطلب التنفيذ الفعال لمثل هذه السياسات الطموحة زيادة التركيز على رصد الانبعاثات قبل وبعد تنفيذ السياسات لقياس النتائج، وضمان الشفافية حول مدى التقدم المحرز. وتلتزم «هيئة البيئة» بالعمل مع مركز أبوظبي للإحصاء لمواصلة تتبع انبعاثاتنا وجعلها متاحة للجميع. وفي إطار الجهود الحكومية الرامية إلى تعزيز استجابتنا لتغير المناخ نحن بحاجة أيضاً إلى المزيد من المشاركة والتنسيق بين المجتمعات المحلية والقطاع الخاص، وكذلك ضمن الإطار الاتحادي لتغير المناخ. فالانتقال إلى اقتصاد متنوع منخفض الكربون يقدم بعض الفرص الجذابة للقطاع الخاص مع التركيز على تطوير السياسات السليمة والمحفزات، كما أنه على كل واحد منا كمستهلكين للمياه والكهرباء، ووقود المركبات والبضائع مسؤولية يجب أن نتحملها لفهم وإدارة مساهماتنا من الانبعاثات. في الرابع من سبتمبر، صادقت دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاق باريس للمناخ لنكون بذلك من أوائل الدول التي تحركت في وقت مبكر، مما يدل على التزامنا بمواجهة تغير المناخ. وأود أن أثني على مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة لتبني هذا الموقف القيادي ولإنشاء مجلس الإمارات للتغير المناخي والبيئة، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تطوير السياسات والتشريعات في هذا المجال. وضعت حكومة أبوظبي رؤيتها الطموحة للإمارة بهدف الوصول لمجتمع واثق وآمن واقتصاد مستدام ومنفتح وقادر على المنافسة عالمياً. وقد واصلت الحكومة جهودها لتحسين وترجمة هذه الرؤية الطموحة إلى استراتيجيات قابلة للتطبيق. ويمثل جرد انبعاثات الغازات الدفيئة مساهمة أخرى تهدف إلى حشد العمل الجماعي لتحقيق رؤية الحكومة لمستقبل أفضل لإمارة أبوظبي.