كنت قد جلست لإعداد هذا المقال بعدما تابعت الاحتفال المهيب لوداع الراحل محمد علي، والذي تجاوز حضوره خمسة عشر ألفاً من محبي الرجل وعارفي الدور المتميز الذي سجله له التاريخ في العقود الخمسة الأخيرة، وأعاد تذكيرنا به خطباء الحفل من مختلف أطياف المجتمع الأميركي الدينية والعرقية والثقافية، وفي مقدمتهم الرئيس بيل كلينتون وممثل الرئيس أوباما. وفجأة قطعت قناة التلفزيون بث حفل توديع علي لتعلن نبأ المجزرة المحزنة التي جرت في نادي ليلي بمدينة أورلاندو، وكان بطلها (ولا بطولة)، للأسف الشديد، مواطن أميركي مسلم بالاسم يدعى عمر متين! وعندما ننظر ما سبق هذه الحادثة من أعمال وحوادث إرهابية في لندن وباريس وبروكسل والعراق ونيجيريا والسعودية، يخطر على البال السؤال الأول: ما الهدف الحقيقي لهؤلاء الذين يتحدثون باسم الإسلام، رسالة الخالق سبحانه وتعالى الأخيرة للبشرية، والتي فصلها القرآن الكريم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صحيح الأحاديث وما ورد عنه من أعمال التي قصد بها تعليم أمته أصول دينها وقيمه ومثله التي أجملها، صلى الله عليه وسلم، في كلماته المضيئة والمشرقة: «إنما بُعثت لأكمل مكارم الأخلاق». إذا كان هدف هذه الجماعات المارقة هو إحياء الدين وإعادة الخلافة الراشدة التي نشرت الإسلام وأقامت دولتها الكبرى، فهذا هدف لن يتحقق بقطع الرؤوس وسبي النساء ونهب ثروات البلاد الإسلامية التي أخضعوها.. وإنما الذي تحقق هو أن هؤلاء أضعفوا المسلمين وفرقوا كلمتهم وشوّهوا صورة الإسلام أمام أنظار العالم. وكلما مضى هؤلاء في أعمالهم الإجرامية الطائشة، تقوّت حجة أعداء المسلمين بأسلحة فكرية وسياسية لمحاربة الإسلام حماية لأوطانهم من «الإرهاب الإسلامي». وما نراه اليوم بعد مجزرة أورلاندو أن كثيراً من السياسة والمعلقين خرجوا يدعون لتوحيد أمتهم وجمع صفوفها وتخطي خلافاتها لمواجهة هذا العدو الذي أصبح يهدد أطفالهم ونساءهم وعجزتهم من داخل أرض وطنهم.. حتى أن هيلاري كلينتون، والتي كانت تبدو أعقل وأعلم مرشحي الرئاسة، والتي لم تستخدم يوماً عبارة «الإرهاب الإسلامي»، اضطرت أخيراً لمجاراة الركب، فخرجت لتعلن التزامها بأن تكون أولى أوليات سياستها الرئاسية محاربة «الإرهاب الإسلامي» والقضاء عليه في الداخل والخارج. وفي خطابها، طلبت هيلاري من المنظمات المدنية والمواطنين المهتمين، مشاركة الأجهزة الأمنية الرسمية في جهودها ضد الإرهاب. وليس في هذا الموقف تجاوز من جانب هيلاري، إذ من حقها بل وواجبها حماية أمن بلادها وشعبها. لكن كان، وسيظل المأمول من هيلاري أن تعرّف شعبها بما تعرفه عن حكاية «الإرهاب الإسلامي»، وكيف أن الجماعات الجهادية لا تمثل شعوب الأمة الإسلامية التي ترفض وتحارب هذه الجماعات الخارجة، حرصاً على الإسلام الحق ورداً لإجرام التكفيريين ودرءاً لخطرهم على البشرية التي توحد بين الأمة المسلمة وبقيت الأمم والشعوب بصرف النظر عن عقائدها الدينية والسياسية. لقد قام عمر متين بجريمته الكريهة، والتي رفضها وأدانها جميع زعماء العالم الإسلامي وقادته وممثلوه الرسميون وغير الرسميين. وقامت «داعش» بتبني «متين» وعمليته التي وصفتها بـ«الشجاعة»، فماذا حققت هذه العملية الإجرامية أكثر من رفع درجة العداء والكراهية الموجودة أصلاً عند بعض الغربيين ضد الإسلام والمسلمين؟ إذا كان جميع الساسة الأميركيين يدعون اليوم شعبهم الأميركي للتوحد ضد «الإرهاب الإسلامي»، الداخلي والخارجي -وهم على حق- أليس الأجدر بنا نحن أيضاً أن نوحد صفوفنا لمحاربة هذا البلاء الذي نحن أولى ضحاياه، اليوم وغداً وفي كل وقت؟ أظن أنها مسؤولية مهمة سيحاسبنا عليها التاريخ.